في ليلة العيد.. لا تستطيع إلاّ أن ترتدي ريش التحليق في سماء الحب، لا تستطيع إلاّ أن تكون إنساناً بأكثر من قلب، وبأكثر من شوق واحد، وبأكثر من ابتسامة، وبأكثر من بياض، تأتيك ليلة العيد لتعقد معها صداقة مع كل شيء حولك، الشوارع ومصابيح الإنارة والبيوت والسيارات والأطفال وهذه الحديقة وذاك المقهى، حتى قطط الشوارع تحبها في ليلة العيد وكم ترغب أن تقاسمها حلوى العيد التي غلفتها بأكياس الفرح تلك عند بائع الحب. في هذه الليلة تتحول كل التفاصيل إلى أشياء تتقاطع مع الذاكرة في تناغم عجيب لا تفهم كثيراً تحولاته، لأنك فقط سعيد -في ليلة العيد- تحس بأنك متسامح مع كل الأشخاص حتى مع ذاتك، متسامح مع جميع الأخطاء حتى أخطائك، متناسٍ لجميع جفوات الآخران معك حتى جفوت نفسك عليك، أنت اليوم.. مستعد تماماً؛ لأن تخلق من جديد، وأن تعطي بلا حدود .. سلام كبير بداخلك وأنت تودع «شهر رمضان» وتستقبل عيد الفطر وأياماً جديدة، جاءت تخضب يديها بحناء الوفاء ولم تنس أن تمنحك بأصبعها عطر الأريج والفل الذي اقتطفته إليك من حدائق الغفران والسماح. لا نفهم كثيراً مقدار التغيير الذي يجرفنا نحوه في ليلة العيد، فالمشاعر كبيرة تمنحنا القدرة على رؤية الأشياء بشكلها المختلف الذي لم نحسن رؤيتها من قبل على ذلك النحو، فأنت الليلة.. مستعد أن تضحك كثيراً حتى يمل الضحك منك، وأن ترقص مع أطفالك حتى تتعب قدميك، وأن تخرج إلى الأرصفة لتطلق بالونات المحبة، تفعل كل ذلك دون أن تسأل نفسك ماالذي جرى؟، وماالذي منحته ليلة العيد بعد شهر من الصيام إليك؟. كما جاء هذا الشهر الكريم رمضان بالخير، ذهب وترك بدواخلنا الخير، ذلك القدر من البياض الممتد من أول خط بداخل الروح إلى آخر نفس فيها يدفعنا لأن نكون في ليلة العيد سعداء.. سعادة نتفجر معها حتى ودون أن نشعر نتحول إلى أشخاص تشبهنا ولسنا نحن؟؛ فالإنسان الذي احتفظت به بداخلك طويلاً وخشيت أن يخرج أمام الآخرين هذه الليلة عليك أن تطلق سراحه، وأن تمنحه قدميه ويديه؛ ليكون كماهو دون أي تحفظات، دون أي رتوش تستبقيه في دائرة التردد والخوف.. في هذه الليلة نتوق كثيراً لكل الأناس الحاضرين في القلب، والغائبين عنا، سواء الذين غابوا بفعل «الموت»، أو أولئك الذين غابوا بفعل الحياة.. الوجوه التي عتقناها بقلوبنا، ثم شربناها مع حنين الشوق نتذكرها في هذه الليلة وكأننا نجرب أن نقطف لهم الوفاء متوجاً بعيد كبير ومهرجان يشارك في استقباله جميع الكون، وتتآمر الأمنيات عليه نشعر بالكثير من الأشواق المتدافعة ككومة «ثلج» تسقط من أعلى جبل لتردم بداخلنا فهوة الغياب، ورائحة حرائق اشتعلت، لكنها اقتربت من ليلة العيد «فخجلت» وقررت أن ترسل إلينا «غيمة» بمطر، يبلل خواطرنا فتستفيق على لحن الحب الذي عاد كما لم يسافر يوماً بحقائب الوجع ويفضح الفقد مقعده المجاور للخيبات.. نستطعم كل الوجوه التي فقدناها «بفعل موقف جارح»، أو بسبب حكاية مؤلمة.. يتقاطع الحب بداخلنا معنا ليذكرنا بجميع الأشخاص الذين»غابوا» وبقية نصف الحكاية بقلوبنا لم نعلق عليها لأحد، ونتمنى لو نراهم في هذه الليلة لنكمل لهم أنصاف المشاعر التي احتفظنا بها بداخل أدراج النفس وحزن مازال يختبئ معها .. نتوق إلى كل الأناس الذين أحسنوا إلينا -وربما الذين لم يحسنوا إلينا- نتوق للأشخاص الذين منحونا نجوم الفرح يوما عند مقعد الدارسة ذاك - وربما نتوق حتى من أحرق أصابعنا بظلمه- التوق هنا حالة -تصبح- مجنونة تتخبط بداخلك حتى تتحول معها إلى كائن بنصف عقل.. وأجمل أنواع الفرح هو ذاك الذي يعريك من كل شيء حتى العقل، وأجمل أنواع الحب الذي نشعر به هو ذاك الذي يمنحك لذة الهبل والصدق معا والذي تمشي فوق خطوطه وكأنك ستسقط. سنغلف جميعاً في هذه الليلة الهدايا الملونة لمن أحببناهم وعرفناهم ولمن لم نعرفهم أيضاً، وسنصاحب «بائع الشكولاته» لنستطعم مع قطع «الكاكاو» الحب الذي لا يفهم أسراره سوى «الحلوى».. ربما لأن الحب قطعة فاخرة من الحلوى لا تمنح لأحد!؛ سنشتري الثياب الجديدة والعطور الجديدة ولكننا لن ننسى أن نتعطر بالنبل والصدق ونحمل «أعيادنا» للآخرين.. ونخبأ شيئا منها للغائبين!. جرب في هذه الليلة أن تتوق لكل شيء.. أن تحب كثيراً كثيراً.. وأن تطير في فضاء الحنين لأدق الأمور تفاعلاً مع هذا الفرح، سنجرب أن نقطف زهور الخصوصية التي شرفتنا بها «ليلة العيد» لننثرها فوق رأس من نحب في الحياة، سيغادرنا رمضان بعد أن منحنا السر.. فيما سنودعه نحن بعد أن حفظنا عنه ذلك السر!. سر أن تكون إنساناً.. إنساناً.. فقط.. غداً نحتفل؛ فالنكن أول الحاضرين بعد أن نتأنق بربطة الحب.