لفتت المقالات التي نشرها الشاعر السوري أدونيس مؤخراً في الصحافة اللبنانية حول الحكم في سوريا نظر الكثيرين، كما أثارت استغرابهم. في هذه المقالات قال أدونيس صراحة إنه لا لزوم لتغيير النظام السوري طالما أن النظام الذي سيحل محله سيكون إما إسلامياً وإما تنويعاً على النظام الحالي. ما كتبه أدونيس عن الإسلام والعرب في هذا الكتاب وغيره، يفيض بأخطاء علمية فاحشة ولكن مقصودة، كما ينطوي في داخله على دعوة صريحة إلى التمزق والطائفية والمذهبية ومحاربة وحدة العرب كشعب، ووحدة الإسلام كدين وأضاف أدونيس: إنه ما لم يكن ثمة خروج إلى أفق علماني كامل بحيث يمكن للصابئي أو الأرمني أو النصراني أو الإسماعيلي، أو سواهم من أبناء الأقليات، الوصول إلى سدة الرئاسة في سوريا، فلا جدوى من أي تغيير، والأفضل إبقاء الوضع على ما هو عليه الآن. واستغرب الذين قرأوا مقالات أدونيس هذه كل هذه الغيرة على «حقوق» الأقليات، من صابئة وغير صابئة، وطالبوا بأن يكون «للأكثرية» السورية حصة في الوصول إلى رئاسة الدولة أيضاً أسوة بالحصة المحفوظة للأقليات منذ 42 عاماً، فكيف نحرص كل هذا الحرص على حقوق الأقليات، ونتجاهل تجاهلاً تاماً حقوق الأكثريات، وعندما يكون عدد الأكثرية في بلد عربي مثل سوريا 75 بالمئة من عدد السكان، هل من المنطقي استدعاء حقوق الإنسان كما هي في جمهورية أرسطو، أم استدعاء منطق الأكثرية كما هو معمول به في الديموقراطيات الحديثة؟ إن أحداً لا يمانع في مبدأ تكافؤ الفرص الذي يقع في صلب النظام الديموقراطي، ولكن التركيز على حقوق الصابئة، أو سواهم من الأقليات، وإهمال الأكثرية إلى حد عدم إمكانية استفادتها من فرصة الوصول إلى سدّة الرئاسة السورية، من الأمور المثيرة للاستغراب والدهشة. فلماذا الأكثريات تحكم في كل مكان على الأرض، ولماذا عندما تُطالب بحقها الطبيعي في السلطة في سوريا، يقال لها ان تطلعاتها عبارة عن سلفية وتخلف، وانها غير جديرة بالتالي بأن يكون لها رأي في مستقبل البلد؟ عندما قرأ الناس هذه الآراء المعوجّة لأدونيس فارقهم استغرابهم بعد ما عادوا إلى إرثه الفكري وأبرزه ما كتبه في كتابه «الثابت والمتحول.. عن الإسلام والعرب» فهذا الكتاب كله طعن ظاهر على العروبة والأدب العربي والفكر الإسلامي. وهو طعن واضح الغرض، مكشوف الهدف، وليس فيه شيء من الموضوعية أو الأمانة العلمية أو سلامة الفهم للنصوص. وما أكثر ما تحتاجه كتابات أدونيس من الوقت والجهد لدحض أفكاره فكرة فكرة، وكلمة بعد كلمة. يرفع أدونيس راية التجديد الشعري الشامل، ولكنه تحت هذه الراية يريد القضاء على كل الجذور في الشعر العربي والشخصية العربية معاً وفي وقت واحد. وقد عمد أدونيس في «الثابت والمتحول»، على الخصوص، إلى تشويه الإسلام تشويهاً منهجياً متعمداً لم يلجأ إلى مثله إلا كتاب الإسرائيليات في الماضي، والدعاة المغالون كالقرامطة. ويمكن لقارئ هذا الكتاب أن يستلّ منه ما يؤهل أدونيس للدخول في جماعة الإسرائيليات دون جور أو تعسّف. فمما ذكره في هذا الكتاب «ان الإسلام لم يغير طبيعة النظرة إلى المرأة كما كانت في الجاهلية، أو طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، واكتفى بأن نظم هذه العلاقة وجعل لها قانوناً، وجعلها تتم وفقاً لطقوس معينة. فالحب في الإسلام بقي كما كان في الجاهلية حسياً. ولذلك من الأفضل الاقتصار على استخدام لفظة الجنس دون الحب. فالحب في الإسلام جنس في الدرجة الأولى.. (ص226). ويمتلئ «الثابت والمتحول» بما يمكن تسميته بالإسرائيليات الحديثة. ومنه نقتبس العبارات التالية: - الإنسان في الإسلام مجزأ إلى جسد وروح وعقل. ومن هنا يصعب فهم وحدته بعامتها.. (ص227). - العربي المسلم لا تهمه المرأة، بل تهمه النساء، وهو لا يهمه أن يحبهن بل يهمه أن يمتلكهن.. (ص337). - القرآن يعتبر النفس كتلة من الغرائز والأهواء، وهو يضع لها قانوناً يسمو بها ويصعدها. لهذا أبقى عليها كما كانت في الجاهلية. لم يحاربها ولم يقتلها، وإنما هذّبها وصفّاها. فليست هناك حبيبة في القرآن، بل زوجة، وليس فيه حب بل جنس. وصورة المرأة فيه هي صورة الزوجة، والزواج متعة جسدية من جهة، وإنجاب من جهة. ومن هنا تقترن صورة الزوجة بصورة الأم.. (ص227). - ينسجم الحب القرآني مع الحب اليوناني الوثني، ويمكن أن نصف الحب القرآني بأنه امتلاك جسدي من أجل القضاء على الشهوة التي هي رمز للشيطان. المهم هو إشباع الشهوة، وتسهيل هذا الإشباع.. (ص228). - الحب في القرآن قرار أو علاقة يقررها الرجل، وعلى المرأة أن تخضع. فليست الغاية الحب، بل التيه الجنسي. وهذا مما فصل الحب عن العمل واللغة.. (ص227). هذا بعض ما ورد في «الثابت والمتحول». وما كتبه أدونيس عن الإسلام والعرب في هذا الكتاب وغيره، يفيض بأخطاء علمية فاحشة ولكن مقصودة، كما ينطوي في داخله على دعوة صريحة إلى التمزق والطائفية والمذهبية ومحاربة وحدة العرب كشعب، ووحدة الإسلام كدين، ثم الإعلاء من شأن المذاهب الباطنية باعتبارها مصدراً للقوة الفكرية والتجديد والأسس الصحيحة للعلاقات الإنسانية المفقودة تماماً عند الأغلبية العربية والمسلمة بنظره! هذا الكلام بالطبع خطأ وتدجيل من الناحية العلمية، وتفسير للنصوص بنية سيئة وضمير شديد الالتواء. لا نتحدث هنا في الأمور الدينية، فللدين رب يحميه، وعلماء كبار محترمون يمكنهم الدفاع عنه بالعقل والحجة والبرهان أفضل منا. وإنما نتحدث عن الجوانب التي تتصل بالمعلومات الخالصة عن التاريخ العربي الإسلامي وعن الثقافة العربية الإسلامية حيث يخوض أدونيس هذا كله بكثير من سوء النية وسوء الفهم والتفسير. لم يلتزم أدونيس في كل ما كتبه عن الإسلام وتراثه بالأصول العلمية الموضوعية الصحيحة، ولو أنه التزم لقلنا إنه عقل حرّ يجتهد، وإن كان اخطأ فله أجره وله قيمته وكرامته. أما الواقع فهو أن أدونيس، في مجمل ما كتبه عن الإسلام، إنما كان كاتباً مُغرضاً لجأ إلى أساليب غير أمينة وغير علمية لتشويه الفكر الإسلامي. لكل ذلك لم يعجب الكثيرون لدفاعه الحار عن حقوق الصابئة والنصارى والعلويين وبقية الأقليات في الوصول إلى أعلى المراكز في السلطة السورية، فهذه السلطة تظل بخير طالما أن أهل السنّة والجماعة بعيدون عنها حتى ولو كان عددهم 17 مليون نسمة من شعب تعداده 23 مليوناً. إنه ليس إذن دفاعاً حاراً نزيهاً وبريئاً عن حقوق الأقليات بقدر ما هو كراهية عمياء للإسلام والمسلمين. ألم نقل انه فصل جديد في كتاب قديم عن الإسرائيليات؟