هكذا يردد الكبار هذه الايام ، فيرون أن الزمن غير الزمن والناس غير الناس، ويتأوهون على تلك الليالي والايام الخوالي ، وأنا في هذه المقالة لن أكون في موقع المدافع كالعادة ، بل انني اشهد وأقر بما شهدوا به ، فرمضان اول كان غير بالفعل ، كانت قدسية رمضان وروحانياته تسبقان دخول الشهر ، وتظل الطمأنينة والسكينة مخيمتين على ايامه ولياليه كلها ، فكنا نميز نهار رمضان بتلك المصاحف التي تنشر ، وتلك التلاوات الخاشعة التي تسمع ، وتلك المسابح التي لا تفارق الايادي ، وكانت لياليه ليالي أنس واجتماع وألفة بين الاسرة الواحدة ، ففيها يتم التسامح بين المتخاصمين رغبة في عفو المولى عز وجل ، فلا تسمع فيها الا طيب القول وحسن الكلام بلا صخب ولا خصام فرمضان كريم !!.. **** ماذا عن رائحة الطعام في تلك الايام لماذا فقدناها ، اين رائحة شوربة الحب ورائحة الفول التي كنا نشمها من بعيد، ونتمنى ان يؤذن المغرب بسرعة ، اين طعم السنبوسة والتوت وقمر الدين ورائحته المميزة هل اختلفت الصناعة ام تخلفت البركة ام اختلف الزمان؟! **** أين تلك الاجتماعات الاسرية وصلة الارحام واللمة الحلوة على مائدة الافطار يتسامعون فيها صوت المؤذن ويباشر كل منا من بجانبه بحبات الرطب اللذيذ الذي لا تجد لطعمه مثيلا ، ام هل أسألكم عن رائحة القهوة العربية المبهرة بالهيل تعبق بالجو وتفيق النعسان ، ثم يأتي دور حبات اللقيمات الشهية التي تصنع بيد الوالدة - شفاها الله - فكان مبلغ الاماني لدي تذوق الحبة او الحبتين ، فأين تلك الايام الخوالي والسُّفر العامرة بأهلها قبل اصنافها من سفرنا الان ؟؟! **** هل تذكرون البرامج الاذاعية التي تزيد الثقافة بالمسابقات، وتزيد الايمان بسماع القرآن بصوت المنشاوي وعبدالباسط ومحمد رفعت وعلي جابر وعبدالله خياط ، والبرامج اخرى تملأ الجو فرحة وسرورا كيوميات ام حديجان ، وكل منا بيده راديو صغير يحرك مؤشر موجاته ويستمع إلى مايريد من المباهج والفوائد ، وشتان بينها وبين اذاعات اليوم .. **** هل تذكرون برامج التلفاز التي كنا نفرح فيها بمشاهدة ما يسّر العين ويشرح الخاطر ، وفوازير رمضان للصغار والكبار التي تفتح الذهن وتستجلب الفوائد وهل نسيتم مائدة الافطار للشيخ الوقور الذي لا يمل علي الطنطاوي ، وقصص الصحابة للاديب والمؤرخ صاحب الاسلوب الجميل والصوت المميز محمد حسين زيدان ، ومسلسل قصص الشعوب الكرتوني العامر بالعبر والامثال ، وبرامج ومسلسلات لا تستخف بالعقول ولا تستجلب الضحك بالتهريج الممل ولا تسخر وتستهزئ بعباد الله كما يحصل الان .. **** آه على تلك الايام ما أجملها وما احلى ذكراها ، والله اني لأتذكرها وكأني أراها بعيني، واشم عبقها بأنفي واشعر في قلبي بحنين لها ورغبة في البكاء لان الماضي لا يعود ، فما اجمل الماضي وذكرياته ، وما أجمل الطفولة وبساطتها ، وسؤالي الى اين يمضي بنا الزمن وتغيراته السريعة حتى اصبحت الحياة المادية هي الاساس، واصبحت الروحانيات هي الهامش الذي لا يعبأ به؟! شرّف الله ايامك ياشهر الخير، وجعلنا الله فيك من المقبولين ، وعلى ذكرى الخير نلتقي ..