رغم التوجه العام نحو استهلاك الخبز التقليدي خلال شهر رمضان، وتحوّل الكثير من البيوت الجزائرية إلى ما يشبه الورش الصغيرة لتحضير شتى أصناف الخبز التقليدي قصد تسويقه على خلفية زيادة الطلب عليه في رمضان دون غيره من أشهر السنة، لا يفرّط الجزائريون بمن فيهم أولئك الذين يقطنون الصحراء في الخبز الإفرنجي الذي يظل سيّد موائد الصائمين على اختلاف شرائحهم ومستوياتهم المعيشية. وتعكس الأرقام الرسمية الصادرة عن الجهات المختصة وفي مقدمتها وزارة التجارة والاتحادية الوطنية للخبازين أن الجزائريين يستهلكون ما يقارب 45 مليون خبزة يوميا تعّدها أفران ما يزيد عن 14 ألفا و600 مخبزة عبر الوطن وأن معدلات الاستهلاك الفردي للخبز الفرنسي التي تتراوح ما بين 900 إلى 950 غراما في اليوم ترتفع خلال الشهر الكريم حيث تغري الأشكال الجميلة التي يتفنن الخبازون في منحها للخبز، الزبائن وتظل بعض الأشكال لصيقة شهر رمضان وتختفي بمجرد رحيله مثل "خبز النجوم" و"الماونيس" و"الباغيث". وتحتل الجزائر حسب أرقام تقرير المنظمة الدولية للتغذية والزراعة (فاو) للعام 2010 المرتبة الأولى عالميا في استهلاك الخبز بما يقارب 49 مليون قطعة خبز في اليوم. ويشير التقرير إلى أن سعر الخبز المتدني الذي يبقى في متناول كل الشرائح الاجتماعية وراء المعدلات المرتفعة للاستهلاك اليومي للخبز في الجزائر. ويضع التقرير الجزائر في المركز الرابع عالميا بعد كل من فرنسا والولايات المتحدةالأمريكية والفلبين من حيث جودة الخبز ونوعيته الرفيعة. خبز «النجوم» و«الماونيس» و«الباغيث» يتفوق على الخبز التقليدي مثل «المطلوع» و«الطاجين» و«الكوشة » و«الكسرة» و«الفطير» ووصلت ظاهرة استهلاك الجزائريين الواسع للخبز منابر المساجد، بعدما صارت وجهة أكياس الخبز إلى القمامات والمزابل عوض البطون، ولم تفلح خطب الأئمة في ترشيد استهلاك الجزائريين المفرط للخبز الإفرنجي، ولا تخلو خطب الجمعة خلال رمضان من عبارات النهي عن تبذير الخبز المدّعم من قبل الحكومة مثله مثل الحليب والسكر، لكن لا حياة لمن تنادي إذ يكفي المرور أمام القمامات لتقف شاهدا على الأكياس البلاستيكية السوداء المليئة ب "الخبز الصابح" الذي بات مصدر رزق باعة "الخبز اليابس" الذين صاروا يجوبون قمامات الأحياء لجمع الخبز قبل بيعه لمربي الدواجن والبقر مقابل بضع دنانير. وتوجد في الجزائر عشرات الأصناف من الخبز التقليدي التي لم تفلح جميعها في زعزعة مكان الخبز الإفرنجي من على موائد الجزائريين خلال الشهر الفضيل رغم أن الخبز التقليدي مثل "خبز المطلوع" و"خبز الطاجين" و"خبز الكوشة" و"الكسرة" و"خبز فطير" من الأنواع التي تناسب كثيرا أصنافا محددة من الأطباق التقليدية التي تعاود الظهور هي الأخرى كلما حلّ رمضان مثل "الشربة بالفريك" و"المثوّم" و"الكباب" و"شطيطحة دجاج" التي لا يحلو أكلها بغير "خبز الدار" وليس ب "الباغيث الفرنسية" التي ورثها المطبخ الجزائري عن فترة الاحتلال الفرنسي وظلت (أي الباغيت) ومعناها الخبز الإفرنجي تغزو موائد الجزائريين إلى يومنا هذا ولم يزحزحها لا الخبز المشرقي بأنواعه ولا الخبز التقليدي المحلي على نوعيته وذوقه اللذيذ. ويصعب في الجزائر حصر كل أنواع الخبر التقليدي الذي تتوراث إعداده وصنعه العائلات الجزائرية، فالامتداد الجغرافي الهائل للبلاد وتعدد الثقافات فيها وتباين العادات و التقاليد من منطقة إلى أخرى جعل كل ناحية جغرافية تفتخر ليس بنوع واحد من الخبز التقليدي بل بأنواع كثيرة، فلمنطقة القبائل البربرية مثلا خبزها التقليدي وللتوارق في الجنوب خبزهم أيضا المطهو تحت الرمال وللشاوية بمنطقة الشرق خبزهم التقليدي ولسكان الغرب أصنافهم الخاصة من خبز الدار ونفس الحال بالنسبة لسكان العاصمة الذين يتربعون على عادات وتقاليد خاصة بالشهر الفضيل لم يقدر على محوها الوجود الاستعماري الذي عمّر طويلا في البلاد ولا موجات الغزو الثقافي.