الصيام فى مكةالمكرمة يتميز عن غيره في أي بقاع الأرض بمزايا عدة، وبروحانية عظيمة ومميزة، ومشهد فريد ومتفرد، ومظاهر لا توجد في أي مكان في العالم، وتلك المزايا تبدأ قبيل شهر رمضان، حيث تختلف أحوال الناس في مكة حينما يحل شهر الصوم تجد أحوالهم تتشكل بحسب تلك الروحانية الكبيرة بشكل يفوق أي بقعة في العالم، فمع دخول العشر الأواخر من شهر شعبان يبرز اهتمام الناس بجلب ماء زمزم لبيوتهم بكميات كبيرة، فالذين لم يعتادوا على شرب ماء زمزم على مدار العام تجدهم في رمضان مهتمين بذلك طمعاً بالأجر، إلى جانب ازدحام الأسواق والطرقات وخروج البسطات الشعبية قبل الإفطار كبسطات السوبيا التي اشتهر بها الوسط المكي والسمبوسك والعصيرات المختلفة، كما تشهد محلات بيع الفول خاصة المشهورة منها زحاماً شديداً يصل لدرجة تعطيل حركة السير فى الشوارع الرئيسة، حيث إن وجبة الفول وجبة أساسية في وجبة الإفطار لأهالي مكةالمكرمة في شهر رمضان المبارك. وحينما تكن في الحرم المكي؛ فإن ذلك يعني بأنك ستحلق مع روحانية أشبه بالروحانية التي تغتسل من خلالها من جميع ماعلق بك خارج تلك البقعة المشرفة، فأصوات المسبحين، واللاهجين بذكر الله، الأيدي التي تحمل المصاحف وتبادر بالختمة القرآنية، والوحدة الكبيرة بين المسلمين في ذلك المكان على اختلاف أجناسهم تضفي على رمضان ثوباً جديداً من الإيمان والعمق في العبادة. وفى ساحات الحرم المكي الشريف تنتشر موائد الإفطار التي كانت فى السنوات الماضية تمد بطريقة شبه عشوائية؛ لكن بناءً على توجيهات مقام إمارة منطقة مكةالمكرمة تولت لجنة السقاية والرفادة تنظيم هذه الموائد الرمضانية، ويتولى المستودع الخيري وعدد من المؤسسات الخيرية وبعض الجهات الرسمية، وتوزيع موائد الإفطار بأسلوب منظم ومرتب وشيق، حيث تمد أطول سفرة طعام في العالم، وذلك في ساحات المسجد الحرام في وقت قياسي لا يمكن تحديده، كما يتم داخل الحرم المكي توزيع التمور والقهوة والشاي قبل الإفطار، ويتسابق عدد من المواطنين والمقيمين والزوار إلى كسب الأجر فتجدهم يحرصون أن يكون لهم نصيب من الأجر فكل صائم يحمل كمية من التمور لتوزيعها على الصائمين في مشهد روحاني بديع، وقبيل أن يرفع أذان المغرب بلحظات تجد أن الكل متوجه إلى الله ينظر للكعبة المشرفة ومشهد الطائفين والعاكفين والركع السجود يمنح التدعيم لذلك الشعور الروحاني الكبير، ويشعر الإنسان بأن الدنيا لا تساوي شيئاً حتى إن بعضهم من شدة بكائه لا يدري ماذا يدور حوله، كلٌ يناجي ربه قبل الإفطار حتى يوافق دعوة مستجابة ويفوز بمغفرة الرحمن ورضوانه، وما أن يرتفع صوت المؤذن منادياً لصلاة المغرب إلاّ والكل يتناول حبة التمر مردداً "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالى". سباق في إعداد المائدة الرمضانية بحثاً عن الأجر وسرعان ما تنتقل تلك الصورة الحية إلى صورة أخرى بعد الإفطار، وقبل الصلاة وكأن هناك أصوات نعست، فالهدوء والتضرع يلونان المكان بفاصل يفصل بين الحالتين الكامنتين بين الإفطار وبعده، ومع انقضاء الصلاة تشعر بالحركة وعمال النظافة يجوبون صحن المطاف والأروقة لجمع بقايا التمور ومخلفات الإفطار. وحينما تبحث عن أكبر مائدة رمضانية في العالم؛ فإنك ستجدها حتماً في الحرم المكي، حيث يتناول الإفطار في المسجد الحرام يومياً قرابة نصف مليون مصل يرتفع هذا العدد في أيام الخميس والجمعة والعشرة الأواخر من رمضان إلى أضعافه، فأي وحدة تلك وأي دين يجمع بين الطبقات والأجناس على اختلافها في مسجد واحد وبيت من بيوت الله.