نشعر أحياناً بالتوتر عندما نجد أننا فقدنا أو تضاءلت لدينا مهارة من المهارات، خاصة تلك التي بذلنا جهدا لاكتسابها ، كلغة الإشارة أو قراءة الشفاه.. يفقد الإنسان مهاراته المكتسبة عندما لايستعملها لفترة طويلة . وعندما يطلبها يجدها ممتنعة عنه .. كما تفقد الأجهزة مرونتها عندما تركن لفترة طويلة. كم منا كانت لديه مهارة المسح الضوئي بالقراءة ، وأهملها ثم وجد نفسه قد ضعفت لديه ولايستطيعها.. حصلت سكتة لجهازي، والحق لم تكن سكتة فجأئية ، كان ينذر ، ويبلغ وأنا أهمل حتى قال مكاني لن تستجب لك لا فأرة ولا سهم ، والذي آلمني أنني تهاونت عن نقل ما فيه ، خاصة من مقالات محفوظة .. اتسخلفت الله ، فكرت بالكتابة على الورق ، وجدت أنني لم أستطع بسهولة كما كانت عادتي قبلا ، لم يسر القلم بيدي راقصا عبر الحروف مستمتعا بتدفق الجمل ، وجدت ثقلا بحيث ذاك الثقل جعل الأفكار نفسها تثقل بالمرور عبره .. وفكرت هل ترى بعيْد فترة ستتضاءل آلية الكتابة باليد حتى تغاردنا مثلما غادرت الكتابة على ألواح الطين، أو الكتابة بخطوط مختلفة وتسيد الساحة تقريبا! خط واحد . وحقا أعضاؤنا آلات إن لم نستعملها ، ثقلت وملت. الكثير من الملكات التي كسبناها ممكن أن تغاردنا ،كلما قللنا استعمالنا لجزء من جسمنا ضعفت اللياقة به. نحن نشاهد الآن من لايتحرك كثيرا تتعب أرجله أسرع. أكبر ملكة نخشى أن تتضاءل هي ملكة التفكير المنطقي ، وهي تتضاءل كلما ظننا أننا ملكنا المعرفة ، ولم نعد بحاجة للمزيد . وأغلقنا عقولنا ضد الجديد ، اكتفينا ؛ بحيث يبقى عقلنا يجتر ولا يريد أن يدخل عليه التطور والتجديد لخلاياه .فيبقى العقل حبيس ما به حتى يكل ،ومن ثم تتقهقر المعلومات، وربما نصاب بالخرف . أيضا تتضاءل عندما لانجد فرصا لتلاقح المعارف وتمازجها هذا التمازج الذي يقدح شرارات تنبيه للعقل، ويحفزه للإبداع عبر أي مجال يحبه فلا يعدم وسيلة لتنميته. عندما وقف النبض بجهازي ، شعرت كم باتت هناك أشياء ضرورية لحياتنا، ولم نكن نظنها ستكون كذلك ،كالكمبيوتر ، هي التي تنقلنا لننهل من آفاق عديدة ،لم نفكر يوما بالوصول إليها وكأننا نطل عبر تلك الكرة السحرية التي حدثتنا القصص القديمة عنها .. باتت تسهل لنا الحياة مادية ومعنوية . وذلك جعلني أترحم على كبار الكتاب القدماء وهم يقضون أشهرا وربما سنين يكتبون ويصبون فكرهم بجهد وتعب، ويتركون لنا تلك المخطوطات، يكتبون على ضوء قليل ومن حبر ورقاع يصعب كثيرا الحصول عليها ، ثم يتلو ذلك المراجعات والهوامش .. وتركوا لنا أمهات الكتب! أعود للمهارات التي نفقدها عندما نهملها ، منها مهارة الاتصال بالمجتمع والناس من حولنا ، تقل وربما تنعدم مهارة اللباقة في العلاقات الاجتماعية حتى يتضاءل الذكاء الاجتماعي، وقد نفقد بوصلة اتجاه العلاقات الإنسانية ، عندما ننساق للشعور بالاكتفاء بعيداً عن الناس والمجتمع.. هي الأشياء تنبهنا لقدراتنا الجسدية مثل قدراتنا العقلية ، تدق لنا إنذارا حقيقيا . هذا الإنذار الذي يجب ألا نهمله مثلما أهملتُ جهازي ، وأحسست بالتيه المادي بعده ، رحت أبحث بالورقة والقلم أكتب وأتعب ، وأضطر لأعيد وأصحح ، بينما الجهاز يغنيني عن كثير من التعب..