يوم الاربعاء الثالث من رمضان كان يوما تاريخيا ليس لمصر وحدها، وإنما لتاريخ الأمة العربية، فهو قد شهد وقائع محاكمة الرئيس محمد حسني مبارك ونجليه ووزير داخليته امام عدسات التلفزيون وعلى الهواء مباشرة وبوجود حشد من الحضور حصلوا على أذون مسبقة في سابقة لم نشهدها من قبل. يوم امس لم يكن عاديا أبدا فقد تعدى حدود الزمان والمكان الى التاريخ، ولم يكن احد يتوقع وصول الامور الى ماوصلت اليه حتى اكثر المتفائلين او حتى المتشائمين من فريقي المع والضد وكونها اول محاكمة لرئيس فيما اطلق عليه ثورات (الربيع العربي). وعودة الى وقائع انعقاد المحاكمة فقد أنكر الرئيس المصري السابق حسني مبارك الاتهامات المنسوبة إليه في بداية محاكمته بتهم تتصل بقتل المتظاهرين عمدا واستغلال النفوذ وإهدار المال العام. «الرئيس» والعادلي و6 ضباط يواجهون الإعدام شنقا حال دينوا بقتل المتظاهرين وقال مبارك الذي ظهر في قفص الاتهام ممددا على سرير طبي متحرك بعد أن ووجه بالاتهامات "كل هذه الاتهامات أنا أنكرها كاملة." كما أنكر علاء وجمال ابنا مبارك الاتهامات الموجهة إليهما باستغلال النفوذ متمثلا في الحصول على منازل فاخرة في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر من المتهم الذي يحاكم غيابيا رجل الأعمال حسين سالم الذي كان صديقا مقربا من مبارك. ويحاكم مع مبارك (83 عاما) بالإضافة إلى علاء وجمال وسالم وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وستة من كبار ضباط الشرطة. وسالم محتجز في إسبانيا منذ أسابيع بتهمة غسل أموال هناك وتحاكمه المحكمة غيابيا. وبعد سماع طلبات للمحامين واستراحة تلا ممثل النيابة العامة الاتهامات الموجهة إلى مبارك وشملت الاشتراك بالاتفاق مع العادلي في جنايات قتل المتظاهرين عمدا مع سبق الإصرار. وقال ممثل النيابة أن المظاهرات التي بدأت يوم 25 يناير كانون الثاني واستمرت 18 يوما كانت سلمية وأن باعثها تمثل في تردي الأوضاع في البلاد. وتابع أن مبارك استهدف من قتل المتظاهرين تفريق زملائهم بما يحفظ له منصبه وأنه في سبيل ذلك سمح لوزير الداخلية الأسبق باستخدام الذخيرة الحية في ضرب المتظاهرين واستخدام السيارات في دهس أعداد منهم. ويواجه مبارك والعادلي والضباط الستة الإعدام شنقا إذا أدينوا. ونقلت محكمة جنايات القاهرة جلستها إلى أكاديمية الشرطة في شرق القاهرة لإجراءات أمنية. ويواجه مبارك والعادلي والضباط الستة تهم قتل المتظاهرين، بينما يواجه باقي المتهمين تهم استغلال النفوذ والرشوة. والتهم الأخيرة يواجهها مبارك أيضا. وقبل بدء الجلسة عرض التلفزيون لقطات لعربة إسعاف أقلت الرئيس السابق إلى مقر محاكمته بأكاديمية الشرطة. وأحاط بعربة الإسعاف عدد كبير من رجال الأمن وآخرون مما حال دون مشاهدة مبارك وهو يغادر العربة التي كانت قادمة من مطار عسكري قريب وصل إليه مبارك من منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر. وفي بداية الجلسة طلب رئيس المحكمة المستشار أحمد رفعت من الحضور الهدوء والالتزام بنظام الجلسة خلال نظر القضية. وقال "من يخرج عن هذا النظام من حق رئيس الجلسة أن يخرجه من القاعة فإذا تمادى من حق رئيس المحكمة أن يصدر أمرا بحبسه 24 ساعة لإخلاله بنظام الجلسة." مبارك يضع يده على وجهه وهو خلف القضبان مستمعا الى الدعاوي ضده (رويترز) رحلة مبارك من شرم الشيخ الى مقر المحكمة تمت عبر طائرة ومروحية وسيارة إسعاف وشاهد مراسل رويترز الطائرة الهليكوبتر التي أقلت مبارك من القاعدة العسكرية وهي تهبط في أكاديمية الشرطة. وقالت وسائل إعلام رسمية إن فريقا طبيا رافق مبارك في الإسعاف الطائر. وقالت مصادر في مطار شرم الشيخ الدولي في وقت سابق إن طائرة صغيرة تتسع لنحو 20 راكبا أقلت مبارك ومرافقين. وقال خبراء إن تصريحات رئيس المحكمة قبل بدء المحاكمة تشير إلى إمكانية عقد جلسات يومية بعد جلسة الامس لضمان الانتهاء من المحاكمة سريعا وإصدار الحكم. لكن مراقبين يقولون إن ذلك لن يتيسر لها فيما يبدو إذا عاد مبارك إلى شرم الشيخ بعد الجلسة. ونقل مبارك في سيارة إسعاف من مستشفى شرم الشيخ الدولي إلى المطار في حراسة من قوات الجيش والشرطة. وقال مصدر إن دوي طلقات نار سمع خارج المطار قبل إقلاع الطائرة. وكان عمال وافدون من صعيد مصر وبدو اشتبكوا بالرصاص على فترات الليلة قبل الماضية أمام المستشفى وأوقعت الاشتباكات خمسة مصابين. وبمثول مبارك أمام محكمة جنايات القاهرة يكون أول حاكم عربي يقف وراء القضبان منذ اندلاع انتفاضات مطالبة بالإصلاح في المنطقة عرفت إعلاميا باسم "الربيع العربي". وحوكم الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي - الذي كان أول زعيم عربي يطاح به في الاحتجاجات - غيابيا. وجابت الشرطة الشارع القريب من مستشفى شرم الشيخ الدولي الذي أقام فيه مبارك في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر وسدت الطريق امام مجموعة صغيرة من المحتجين في الخارج كانوا يهتفون "الشعب يريد إعدام السفاح". وقالت مصادر طبية إن افراد أسرة مبارك وصلوا إلى المستشفى في وقت متأخر الثلاثاء. وفي تعليقاته العلنية الوحيدة منذ الإطاحة به تعهد مبارك في ابريل - نيسان بتبرئة اسمه وأسرته من الاتهامات بالفساد. وفي موقع المحاكمة أقيمت شاشة عملاقة لنقل وقائع الجلسة. وفي ساحة قريبة اشتبك المؤيدون والمناهضون لمبارك وتراشقوا بالحجارة مما تسبب في سقوط عشرات المصابين أغلبهم إصاباتهم طفيفة. وتدخل مئات من أفراد الجيش والشرطة للفصل بينهم. وقال شهود عيان إن الجنود استخدموا القوة في الفصل بين الجانبين. وردد المعارضون لمبارك الذين وصل عددهم إلى مئات هتافات تقول "القصاص القصاص حسني ضربنا بالرصاص" و"الإعدام الإعدام" في إشارة الى طلب الحكم على المتهمين بقتل وإصابة المتظاهرين خلال الانتفاضة التي أسقطت مبارك هذا العام. وتجمع حشد صغير من الرجال والنساء والأطفال من الموالين لمبارك ورددوا هتافات منها "التحرير بلطجية" في إشارة إلى المناوئين للرئيس السابق الذين نظموا مظاهرات حاشدة في يناير - كانون الثاني وفبراير - شباط في ميدان التحرير في وسط القاهرة انتهت بإسقاط مبارك. وشددت إجراءات الأمن في ميدان التحرير مركز الاحتجاجات التي أطاحت بمبارك. وطالب مصريون اعتصموا في ميدان التحرير بالقاهرة لأكثر من ثلاثة أسابيع في يوليو/ تموز الماضي المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تسلم السلطة منذ تنحية مبارك في 11 فبراير/ شباط بإصلاحات أسرع بما في ذلك محاكمات سريعة لمبارك ومعاونيه بتهم الفساد وقتل المتظاهرين الذين وصل عددهم إلى 850 . وسيسعد كثير من المصريين لمجرد رؤية مبارك في قفص الاتهام. وأقيم خصيصا قفص اتهام مثل فيه مبارك بأكاديمية الشرطة التي كانت تحمل اسم مبارك قبل إسقاطه وهو نفس المكان الذي ألقى فيه مبارك آخر خطاب له قبل اندلاع الانتفاضة وكان ذلك يوم 23 يناير - كانون الثاني أي قبل يومين من اندلاع الثورة.