مازال "محمد الغبيري" من أهالي "محافظة بيش" بمنطقة جازان يتذكر قصة عودته من الموت، حينما وجد نفسه ينفض عن قلبه وجع الأيام الصعبة التي عاشها مع المرض، وداخل العديد من المستشفيات.. حتى اللحظة التي بقي فيها رهين الارتداد إلى ذاته تشعره أنه لن يعيش طويلاً لفرط الأوقات الصعبة التي عاشها مع الألم. بدأت حكاية "محمد" حينما شعر ذات يوم بآلام حادة في الساق اليمنى على أثرها صعبت الحركة لديه، وقصد العديد من المستشفيات ليكشف سبب التعثر الموجود في ساقه، إلاّ أنه وجد نفسه أمام آراء متعددة لأطباء لم يتوصلوا إلى سر المرض، حتى تأخرت حالته الصحية وأصبح يمر بحالات من الإغماء المتكرر وصعوبة المشي، فقرر أن يلجأ إلى مدينة الملك فهد الطبية بالرياض، والتي وجد من خلال ذلك السفر صعوبة كبيرة، لكن تلك المعاناة التي تثير بداخله الذاكرة المرة لتلك التجربة لم تمنعه من مواصلة حكايته مع المرض. وقال:"خضعت للعديد من الفحوصات الطبية التي تقرر من خلالها إجراء عملية جراحية عاجلة في العمود الفقري، وذلك لإزاحة الضغط على الحبل الشوكي، وعمل مسامير شدادات للعمود الفقري، وتلك العملية الصعبة تطلبت بقائي في المستشفى لشهرين متواصلين لإتمام العلاج، وتكللت بتحسني الكبير من أوجاع تلك السائق". وجاء اليوم الذي أنتظره كثيراً.. يوم خروجه من المستشفى وعودته إلى بيته وأسرته، إلاّ أن القدر كان أسرع من ذلك الفرح، حيث بدأت هناك أوجاع جديدة تدب في ساقه اليسرى؛ فشعر بخوف شديد دفعه إلى السفر والعودة إلى الرياض ليكمل علاجه، وليعرف أسباب انتقال الأوجاع إلى ساقه اليسرى، إلاّ أنه لم يحصل على رعاية صحية من قبل المستشفى التي بقي فيها ممداً في قسم الطوارئ حتى فضّل العودة إلى جازان؛ بسبب الإعياء الشديد والجهد الذي شعر به، ولزم الفراش حتى نقل بالهلال الأحمر مجدداً بعد تدهور حالته إلى مستشفى بيش، ومكث أسبوعاً هناك أسماه أسبوع الموت، حيث ساءت حالته الصحية كثيراً وفقد الأمل في العودة لحياته الطبيعية. يتوقف "محمد" قليلاً عن الحديث لينظر بتأمل شديد في تلك الفترة، ثم يخرج من صدره "زفير الوجع" بتلك الذكريات، ويرفع رأسه ليكمل بقوله:"الحمد لله.. الدنيا مازالت بخير، ساعدني بعض الأوفياء في الحصول على مقعد في الخطوط السعودية، وتم نقلي بالهلال الأحمر مجدداً إلى مدينة الملك فهد الطبية، وتم إخضاعي لعملية خطيرة، وكنت أرى الموت يحلق فوق رأسي، وشعرت أن وجه ابني يلتصق بداخلي وهو يبكي ويحاول أن يطعمني الطعام الذي وصلت إلى مرحلة فقدت الرغبة بتناوله، ويحفزني لأن أتشبث بالحياة حتى دخلت غرفة العمليات، وأنا أشعر أن كل التفاصيل التي تحيطني في المستشفى، من أدوات طبية، وأصوات الممرضات، وتوجيهات الأطباء تقودوني إلى الشعور بأنه الوداع الأخير". يبتسم "محمد" وكأنه يلمح في تلك الذاكرة المحزنة طائراً ملوناً يحمل الأمل، وينقر نوافذ حياته، ويقول:"فتحت عيني بعد إتمام العملية ليخبروني بأنها تكللت بالنجاح، وأن ماأحتاجه هو الوقت الطويل لإجراء العلاج الطبيعي، وهي المرحلة التي عشتها بجد حتى أعود أسير على قدمي.. وأظفر بصيام هذا الشهر الكريم مع أسرتي". .. وهنا لحظة وصوله إلى منزله ولقاء أسرته