من أهم ما ميز حلول شهر رمضان المعظم هذه السنة في فرنسا توافد أعداد كبيرة من مسلمي مدينة ستراسبورغ والمناطق المجاورة لها على المدينة لأداء صلاة المغرب في مسجدها الكبير الذي افتتح في غرة رمضان أي اول أمس الاثنين. وقصة هذا المسجد تختلف كثيرا في بعض مواضعها عن القصص الكثيرة الأخرى التي تروى عن مسلمي فرنسا المقدر عددهم اليوم بستة ملايين شخص . وهي تعكس في بعض جوانبها المشاكل الكثيرة التي واجهت ولاتزال تواجه مسلمي هذا البلد لاسيما في ما يخص الالتزام بالشعائر الدينية. من هذه المشاكل مثلا عدم وجود مساجد بما فيه الكفاية في البلاد للسماح للمسلمين وبخاصة في المناسبات الدينية الهامة بالصلاة بشكل جماعي. وقد بدأت رغبة مسلمي مدينة ستراسبورغ والمناطق المجاورة لها في المشاركة في مثل هذه الصلوات تبرز بشكل ملح في نهاية سبعينات القرن الماضي. ولا يزال كثير من مسلمي هذه المدينة الفرنسية الواقعة في شمال البلاد الشرقي يذكرون إقدام الكنيسة البروتستانتية على تسخير بعض كهوفها في بدايات ثمانينات القرن الماضي لأداء الصلاة بالنسبة إلى المسلمين الذين كانوا يرغبون في إقامة الصلاة بشكل جماعي لاسيما في المناسبات الدينية الكبرى. بل إن مدينة ستراسبورغ يضرب بها المثل اليوم في فرنسا في مجال المبادرات الرامية إلى تعزيز الحوار بين الديانات وأتباعها. ومن العوامل التي سهلت إنجاز مثل هذه المبادرات أن المدينة تنتمي إلى إحدى المنطقتين الوحيدتين في فرنسا اللتين تشارك فيهما السلطات العامة في بناء المؤسسات المخصصة لمساعدة المسلمين وغير المسلمين على القيام بشعائرهم الدينية. وهو استثناء يظل قائما مند فصل الدين عن الدولة الفرنسية في بداية القرن العشرين. وانطلاقا من هذا الاستثناء ساعدت السلطات المحلية في تمويل مشروع إقامة مسجد ستراسبورغ الكبير بنسبة ربع الكلفة المقدرة بقرابة تسعة ملايين يورو. وهي تشعر اليوم أن المسجد جزء من تراث المدينة المعماري والاجتماعي والديني . وترغب في جعل هذا المسجد وسيلة تربوية تساعد غير المسلمين على التعرف على الديانة والحضارة الإسلاميتين.. وإذا كانت ثمة عموم لدى الفرنسيين مآخذ على إسهام دول أجنبية في بناء مساجد في فرنسا ، فإن سكان ستراسبورغ فخورون بأن يكون بناء أول مسجد في مدينتهم قد مول من قبلهم سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين ومن قبل السلطات العامة ودول عربية منها أساسا المملكة والمغرب والكويت. وهم فخورون أيضا بأن يكون المهندس المعماري الإيطالي "باولو بورتوغيزي" هو الذي صاغ شكل البناية المخصصة لهذا المسجد. فمعروف عن هذا المهندس دفاعه النزيه عن حوار الحضارات والديانات. وهو الذي صاغ هندسة مسجد روما الكبير الذي يعد اليوم أكبر مساجد القارة الأوروبية برمتها. ويتسع مسجد ستراسبورغ الكبير لحوالي ألفي شخص. ويبلغ عدد مسلمي المدينة والمناطق المجاورة لها زهاء ستين ألف شخص.