يصر بعض الكتاب لدينا على ان السعر المثالي (البعض يسميه السعر العادل) للبترول الخام هو في حدود مابين 70 – 80 دولارا للبرميل. هؤلاء الناس هم واحد من اثنين: إما أنهم لا يعرفون انه من المستحيل تحقيق هذا السعر من غير زيادة انتاج البترول بشكل دائم بنفس معدل زيادة الطلب على البترول، وإما أنهم يتصورون انه يوجد لدى بعض الدول المنتجة للبترول عصا موسى يطرقون بها -متى رغبوا- على باطن الأرض فيتدفق على سطحها البترول. الحقيقة ان القاء نظرة علمية فاحصة وواقعية على الأوضاع الحالية للدول المنتجة للبترول التقليدي (اي من نوع بترول اوبك) سواء داخل اوبك او خارجها تكشف لنا ان زيادة انتاج البترول يتطلب توفر ثلاثة شروط اساسية هي: اولا وجود احتياطي بترول بالحجم الكافي الذي يسمح للدولة بزيادة انتاجها من البترول. وثانيا ان يكون اقتصاد البلد قادرا على امتصاص ايرادات البترول بدون ان يكون لها تأثير سلبي على اقتصاد هذا البلد. وثالثا ان تتوفر الرغبة لدى حكومة هذا البلد لزيادة انتاجها. هذه الشروط الثلاثة لا تتوفر على حد معلوماتي بشكل واضح الا في العراق فهي: اولا من ناحية احتياطي البترول التقليدي تملك 144 مليار برميل ثالث اكبر احتياطي في العالم بعد احتياطي المملكة الذي يبلغ 264 مليارا برميل ثم احتياطي ايران الذي يبلغ 151 مليار برميل. وثانيا من ناحية قدرة اقتصاد العراق على امتصاص ايرادات البترول فهي الآن تنتج أقل من 2.5 مليون برميل في اليوم (اقل معدلات النضوب في العالم) بينما في اعتقادي ان اقتصاد العراق يحتاج الى انتاج مابين 5 الى 6 ملايين برميل. وثالثا أيضا يوجد لدى حكومة العراق وفقا لتصريحات بعض المسؤولين العراقيين الرغبة الى حد المبالغة بأنهم يخططون لإنتاج ما يقارب 12 مليون برميل في اليوم وهذا ليس في صالح العراق. أما بالنسبة لدول العالم الأخرى التي لديها احتياطيات كبيرة نسبيا من البترول التقليدي فلا يبدو انها مهيأة (باستثناء كازاخستان) لزيادة انتاجها بمقدار يذكر فدول مجلس التعاون في الخليج العربي تنتج الآن اكثر من قدرة اقتصادياتها على امتصاص ايرادات البترول، ودول بحر الشمال (بريطانيا والنرويج والأخرى) بلغ بترولها الرخيص الذروة وبدأ في الانخفاض، والمكسيك من المتوقع ان تتحول من دولة مصدرة الى مستوردة للبترول. أما بالنسبة لأمريكا وكندا والبرازيل وربما الصين فمن أجل ان تزيد انتاجها (لاسيما من غير التقليدي) فإنها تحتاج الى سعر يتجاوز ال 100 دولار للبرميل. اما بقية دول العالم خارج اوبك فهي دول ذات احتياطيات صغيرة كدول الشرق الأوسط غير الأعضاء في اوبك (عمان ومصر والسودان وسوريا واليمن)، وكذلك كدول امريكا الجنوبية (الأرجنتين وكولومبيا والبيرو). اما روسيا فبصراحة هي شبه لغز بالنسبة لي ولكن على اي حال لا اعتقد ان لديها نية لزيادة طاقتها الإنتاجية الحالية بل ربما يحدث العكس فتخفّض انتاجها. هذا الاستعراض السريع لجانب العرض يؤكّد على ان عرض البترول التقليدي لن يستطيع التجاوب مع الزيادة المتوقعة في الطلب لذا فإن جميع الجهات الثلاث (اوبك، ووكالة الطاقة الدولية، وادارة معلومات الطاقة الآمريكية) التي تقوم بإجراء توقعاتها لعام 2030 (اي بعد عشرين عاما) تشير الى ان الزيادة في العرض ستأتي من جميع السوائل (البترول التقليدي + سوائل الغاز + البترول غير التقليدي + البيوماس + تسييل الفحم + تسييل الغاز). حديثنا حتى الآن اقتصر على ذروة العرض ولكن ماذا عن ذروة الطلب على البترول التي هي موضوع هذا العمود؟ الطلب على البترول التقليدي في استعمالاته المختلفة (اي كمادة خام او كمصدر للطاقة) لن يتم الاستغناء عنه اذا استطاع المنتجون للبترول الرخيص ان يرشدوا انتاجهم ليحافظوا على بقاء تكاليف انتاج بترولهم أقل من تكاليف انتاج البدايل اما اذا اعتقدوا خطأ بأنهم سيحافظون على الطلب على بترولهم بالحيلولة دون ارتفاع اسعاره عن طريق زيادة انتاجهم الى حد الاستنزاف فإنهم سيصبحون كمن يهرول بقدميه سعيا الى الموت الزؤام قائلا بيدي لا بيد عمرو. الخلاصة: حتى لو افترضنا ان الطلب على السوائل البترولية سيصل يوما الى الذروة فمن المنطق أنه سيبدأ بالتخلي اولا عن الأعلى تكلفة ثم الذي يليه تكلفة وهكذا على التوالي سيكون السائل الرخيص اّخر السوائل تخليا عنه. فضلا عن ان الواقع يثبت ان العالم يخطط للتوسع في استخدام السوائل عالية التكاليف ومعنى هذا ان الطلب يتجه الى الأعلى اي لا يزال يسير في الاتجاه المعاكس للذروة.