إشارة لما سبق وكتبته عن أحد نصوص الشاعر حميدان الشويعر تحت عنوان "أجناس الناس عند حميدان الشويعر" والمنشور في العدد 15706 ومن ثم تعقيب الزميل الشاعر راشد بن جعيثن في العدد رقم 15718 تحت عنوان "يا سعد هذا النص بالعدد" والذي جزم فيه أن النص عند عبد الله الفوزان أكثر دقة لكونه من أبناء البلد الذي هو بلد الشاعر!! وبما أن مقالي لم يكن تحقيقاً للنص، وإنما قصرت المقال على غرض النص الذي تحدث فيه حميدان عن أجناس الناس حسب وجهة نظره، فإن هناك فرقا بين الموضوعين وكان على الزميل راشد أن يلاحظ ذلك مع أني أشرت إلى تعدد روايات النص واختلافه من مصدر لآخر دون توسع في ذلك، أما وقد عقب الزميل راشد وجزم بدقة النص عند الفوزان بناءً على انه من نفس البلد!! عليه أقول مستعيناً بالله: إن الحكم على دقة النص بناءً على أن الفوزان من نفس بلد الشاعر هو حكم غير علمي ومعيار غير دقيق ولا يكفي أن نأخذ به لوحده خاصة وأن الفوزان لم يكن معاصراً لحميدان، ولم يكن معتمداً على الرواية الشفوية عن أهل البلد في إيراد هذا النص، بل إنه اعتمد في النص الرئيس على ما جاء في ديوان النبط لخالد الفرج، واعتمد في ثلاثة أبيات على ما جاء عند الحاتم في خيار ما يلتقط، ووفقاً لانتقائية شخصية من الفوزان لم يفصل في أسباب تختص بهذا النص، علماً أن مخطوط العمري كان من ضمن المصادر التي اعتمد عليها في الكتاب ولكن الفوزان لم يرجع إليه في هذا النص مع العلم أن ما جاء عند العمري يتطابق مع ما جاء في مخطوط لجامع مجهول (اعتمدته في مقالي) ويتفق معه في تسلسل الأبيات وان كان هناك بعض الاختلافات التي لا تذكر، وكذلك هناك مخطوطات أخرى سابقة زمنياً لهذه المصادر لم يعتمد عليها، لذا حتى نحكم على دقة النص يفترض من الزميل راشد أن يحصر كافة المصادر التي ورد فيها النص ومقارنتها وتحديد المعايير التي يحكم من خلالها على دقة النص والا يصدر الأحكام كيفما اتفق!! ولكون تحقيق النص من خلال حصر المصادر والمقارنة بينها لا يكفيه مقال واحد فسأكتفي بما ركز عليه الزميل راشد وهو عدد الأبيات والمقارنة في ذلك بين أهم المصادر وهي أربعة مخطوطات وكتابان مطبوعان هما الأقدم أما المصادر المطبوعة الأخرى فهي كثيرة ومتأخرة زمنياً ومعتمدة على ما سبق ولا تخرج عنها، ولكون المصادر المخطوطة سبق زمنها زمن المصادر المطبوعة بل إن المصادر المطبوعة معتمدة عليها وبالتالي فالمخطوطات المصدر الرئيس والذي نعتمد عليه وقد أشرت في مقالي السابق إلى اعتمادي على ما جاء في مخطوط مجموع شعر نبطي لجامع مجهول والذي يرجح لدي أن المخطوط كتب في أواخر القرن الثالث عشر الهجري، ويعد المخطوط الأقدم مما وصل إلينا حتى اليوم، حيث احتوى على قصائد نادرة لشعراء قدماء بعضهم لم يذكر في غير هذا المصدر، وبتتبع أسماء الشعراء المذكورين فيه نجد أن أقربهم لنا عهداً هو الشاعر محمد بن عبدالله القاضي المتوفى عام 1285ه ولم يرد فيه نص لشاعر أتى بعد هذا التاريخ، مما يدل على أنه كتب بعد هذا التاريخ بسنوات قليلة، ومن تجربة تحقيق أغلب ما جاء في هذا المخطوط من نصوص ومقارنتها بما جاء في المصادر الأخرى أجد أن ما جاء في هذا المخطوط في الأغلب هو الأقرب لصحة النصوص سواء في تسلسل الأبيات، أو ترابط المعنى، وجلائه، أو من خلال ما تتضمنه من دلالات لغوية وتاريخية. عند الربيعي ثم إن عدم معرفة ناسخ المخطوط لا يقلل من قيمته ولا يعتبر مدخلاً للطعن فيه خاصة وان اغلب المخطوطات القديمة في الشعر العامي لا يعرف ناسخها وإنما تعرف بمتملكها الذي اشتراها مثل ما يعرف الآن بمخطوطات هوبر. فعند حصر أهم هذه المصادر نخرج بما يلي: أولاً- مصادر مخطوطة وهي: 1- مخطوط (مجموع شعر نبطي) لجامع مجهول يتملكه الذكير وزمن نسخه بعد عام 1285ه بسنوات قليلة وعدد أبيات النص عنده سبعة عشر بيتاً. 2- مخطوط (العساف) نسبة لمتملكه منصور العساف وزمن نسخه في منتصف القرن الرابع عشر الهجري تقريباً وعدد أبيات النص عنده سبعة عشر بيتاً. 3- مخطوط (الربيعي) وزمن نسخه في النصف الأخير من القرن الرابع عشر الهجري وعدد أبيات النص عنده واحد وعشرون بيتاً. 4- مخطوط (العمري) وزمن نسخه في النصف الأخير من القرن الرابع عشر الهجري وعدد أبيات النص عنده سبعة عشر بيتاً. ثانياً- مصادر مطبوعة وهي: 1- ديوان النبط الجزء الأول والمطبوع عام 1371ه، لخالد الفرج وعدد أبيات النص عنده عشرون بيتاً. 2- خيار ما يلتقط الجزء الأول والمطبوع عام 1372ه، لعبدالله الحاتم وعدد أبيات النص عنده سبعة عشر بيتاً. وبالمقارنة من خلال معيار عدد الأبيات وتسلسلها بين أهم المصادر نخرج بما يلي: 1- أن النص عند مخطوط جامع مجهول يتطابق في عدد الأبيات وتسلسلها مع ما جاء في مخطوط العساف ومخطوط العمري والاختلاف بينهم ينحصر في بعض الكلمات والجمل التي لا تؤثر في السياق المعنوي. 2- أن النص عند الربيعي جاء فيه زيادة عن باقي المخطوطات بأربعة أبيات كل بيتين مع بعض ومختلفة المواضع في النص والبيتان الأولان منهما: وبالناس منهو للرفيق مخادع يوهم صديقه صادقٍ بوداده كنه سرابٍ في نهارٍ لامع والغش ما غيره لجا بفؤاده ويلاحظ أن الربيعي أدخلهما بعد البيت الثاني وهو دخول غير موفق حيث فصل بين معنى البيت الثاني عنده والبيت السابع الذي يعتبر عند المصادر الأخرى هو البيت الثالث الذي يرتبط معناه بالبيت الأول والثاني هكذا: لقيت أنا بالناس عيٍ جاهل ما لحق والقادي بنص مراده يجي لامورٍ ما يعرف اقياسها ويدق دقة عوشز الجراده ومن لا يصير بقدر نفسه عارف هذاك ثورٍ ما عليه قلاده وهذا الفصل يوحي بأن البيتين مزيدان. أما البيتان الآخران فلم يردا في باقي المخطوطات وجعلهما الربيعي بعد البيت الأول من أبيات مدعي التدين المذكورة عند الجميع والذي هو القاضي المرتشي مع تعديل الشطر من (عن الخلايق غافلٍ ويحسن) إلى (وبالناس من هو غافلٍ ويحسن) هكذا: عند جامع مجهول وبالناس من هو يدعي بديانته متمسكٍ بديانته وأوراده فاحذر خداع الخاين المتعبد لو دام ليله والنهار عباده1 كم غر فيها من غريرٍ جاهل حطه لمثله مثل فخ وصاده2 وبالناس من هو غافل ويحسن يأخذ شريطه مثل جار العاده عنده لراع الصاع موس طيب واللي بلا صاع له المكراده فنجد هذه الزيادة عند الربيعي جعلت هناك جنسين منفصلين هما مدعي التدين والقاضي المرتشي. 3- أن الفرج اعتمد الأبيات الأربعة المزادة عند الربيعي ولكنه أعاد ترتيبها داخل النص، والفوزان تبع الفرج في ذلك. 4- أن الأبيات الثلاثة التي نقلها الفوزان عن الحاتم موجودة في جميع المصادر الأخرى. والنتيجة أن المصادر الأقدم تجمع على أن عدد أبيات النص سبعة عشر بيتاً وأما قول راشد بن جعيثن عن الفوزان" أجزم أنه الأكثر دقة.. خاصة ان التغير الذي عمده أعطى النص الوجه الحقيقي وفحواه" فأقول هو قول مردود عليه حسب ما تبين معنا فتلك ميزة لم يدعها الفوزان لنفسه ولم نجد مسوغاً صحيحاً لراشد حتى يلحقها به. هذا والله اعلم.