صدرت عن دار الشروق طبعة جديدة من كتاب “صفحات من مذكرات نجيب محفوظ” للناقد الكبير الراحل رجاء النقاش. الكتاب صدرت طبعته الأولى عن مركز الأهرام للترجمة والنشر عام 1998، وحمل الكتاب طبعة النقاش التي كتبها له عام 1997، وذكر فيها أسباب إقباله على كتابة هذا الكتاب، حيث نجح النقاش في إقناع محفوظ في أن يروي له سيرته الذاتية. ورغم أن محفوظ كان يرفض بإصرار أن يكتب هذه السيرة، إلا أنه على مدى 18 شهراً من أغسطس 1991، رواها للنقاش مسلطا الضوء على جوانب عديدة من شخصيته. وأدلى الكاتب الكبير الراحل نجيب محفوظ بآرائه للنقاش في كل صغيرة وكبيرة عن الأدب والسينما والسياسية في مصر، ووصف مراحل طفولته، وتجارب شبابه، متناولا رواياته التي أثارت أزمات صحفية وسياسية، ومنها روايته الأشهر “أولاد حارتنا” التي يعترف محفوظ للنقاش أنه تعمد أن تكون أبطالها موازية لشخصيات الأنبياء، ولم يتوقع أن تثير هذه الضجة، ومن الروايات التي أثارت أزمات سياسية روايته “الكرنك” التي استوحى شخصية “حمزة البسيوني” مدير السجن الحربي في عهد عبد الناصر، وهي الرواية التي أثارت اعتراضات هيكل، حينما ذهب إليه نجيب محفوظ عام 1972 لينشرها مسلسلة في الأهرام، يقول محفوظ للنقاش: كانت الرواية سببا مباشرا لانقلاب كل اليساريين ضدي، لأنهم اعتبروها هجوما على عبد الناصر، خاصة أنهم في تلك الفترة كانوا مشتبكين في معركة حامية ضد أنور السادات وأنصاره، واعتبروا الرواية مؤيدة للصف المقابل، وهو صف السادات، ويلفت محفوظ إلى أنه لم يقصد الهجوم على عبد الناصر في الكرنك، ولم يتعرض له في الرواية، وكان هدفه الوحيد هو إثارة قضية التعذيب في المعتقلات. ويشير محفوظ إلى أن تلك الفترة شهدت مخططاً للهجوم على عبد الناصر، وبعد خروج الكرنك، توالت ظهور الأعمال والكتب التي تهاجم عبد الناصر وعهده، لذلك ظن كثيرون أن الكرنك كانت بداية لحملة، في حين أن ظهورها جاء مصادفة ولا دخل لها إطلاقا بتلك الحملة، وهو ما جعل محفوظ يشعر بالضيق، والتسرع في إصداره “الكرنك”، بل وأنها لم يجب أن ترى النور، خاصة أنها لم تكن في خطته الأدبية، وإنما كتبها لتسجيل موقف ضد مبدأ التعذيب داخل المعتقلات. يذكر النقاش في الكتاب أن محفوظ اعتبر “الكرنك” هي الرواية الوحيدة التي خرج فيها عن منهجه في الكتابة، وهو المنهج الذي يعتمد فيه محفوظ على دراسة كل الحقائق المرتبطة بموضوع الرواية، لكنه لم يفعل ذلك في الكرنك، بل اعتمد على مجرد السمع، وليس المعايشة. الكتاب يحوى 24 فصلا، تناول محطات كثيرة في حياة نجيب محفوظ، منها طفولته وشبابه، والوظيفة والأدب، وأصدقائه في العباسية، وثورتي 1919، و1952، والتطرف الديني وأزمة الخليج والمأزق العربي، ثم جريمة الاعتداء عليه ومحاولة اغتياله عام 1994.