إن استشعار الخطر من أهم مقومات السلامة وهو الذي يقود إلى اتخاذ الاحتياطات اللازمة وحل المشاكل قبل تفاقمها، وبالتالي يترتب على ذلك التناغم والانجاز والتحفيز اللازم لاستمرار عجلة الحراك العام بالدوران ما يضمن صنع مستقبل زاهر ينعم الجميع بمخرجاته من خلال تطوير مدخلاته. علينا استشعار الخطر من أزمة الاقتصاد العالمي التي أصبحت ظاهرة للعيان خصوصاً تلك البوادر التي تحيط بالاقتصاد الأوروبي والأمريكي والتي بكل تأكيد سوف يكون لها انعكاسات خطيرة علينا إن لم نتخذ الاحتياطات اللازمة لذلك فإن التناغم والتكامل بين جميع مؤسسات الدولة سواء أكانت صحية أم تعليمية أم أمنية أم عسكرية أم ثقافية أم اجتماعية أم اقتصادية أم صناعية أم تقنية أم زراعية أم تصديراً واستيراداً كلها سوف تصب في مصلحة حل المشاكل العالقة والمتمثلة في شح المياه والتصحر وأزمة تغير المناخ وغلاء المعيشة، وأزمة السكن والبطالة والتطرف بالاضافة إلى المشاكل المترتبة على جلب العمالة الأجنبية غير المدربة وغير المؤهلة، لذلك فإن استحداث مؤشر يرصد كل حالة خلل أو تطور يساعد على استمرار تكاتف الجهود من أجل حل تلك المشاكل قبل أن تتراكم ويصبح حلها أصعب وهذا في نفس الوقت ينمي التطورات الايجابية ويبرزها. والأبعد من ذلك رصد أزمة الاقتصاد العالمي وما سوف تعززه من تغيرات في التوجهات والاستراتيجيات والأولويات بالنسبة للدول الكبرى وانعكاس ذلك على الدول التي تملك الموارد الاقتصادية مع قلة في القدرات السكانية والعسكرية. من هنا لابد وأن نستبق الأحداث من خلال استشعار خطر كل منها، وحل ذلك بأسلوب يمنع تراكمها وتشكلها أزمة مزمنة. ولعلي هنا أشير إلى بعض الأمور التي تحتاج إلى مزيد من الجهد والاستعداد من أجل رصد مستقبل وانعكاسات كل منها والتي يأتي في مقدمتها: * البترول ثروة البلاد وعماد اقتصادها ومصدر الدخل الأول يتعرض مستقبله لكثير من التساؤلات على المدى المتوسط والبعيد والتي يأتي في مقدمتها أن البترول ثروة قابلة للنضوب ما يحتم علينا ان ندرس بجدية العمر الزمني الأكثر احتمالاً المبني على الاحتياطيات المؤكدة والاحتمالات التي يمكن أن تعيشه تلك الاحتياطيات، ومثل تلك الدراسة قد تكون متوفرة وهي على أية حال سوف تجعل الخيارات أمامنا واضحة. العامل الثامي الذي يجب أن نوليه عناية فائقة هو أن الدول الصناعية تعمل الليل والنهار من أجل الوصول إلى مصادر طاقة بديلة وجديدة ومتجددة. ليس هذا فحسب بل يجب أن نعلم أنهم قد نجحوا إلى حد كبير في ذلك من خلال تحويل الزيوت النباتية إلى وقود ممتاز، وأنهم استخدموا المخلفات الزراعية وكذلك الحبوب من أجل صنع الايثانول الذي أصبح يفي بأكثر من 20٪ من حاجة الولاياتالمتحدةالأمريكية من الوقود، ناهيك عن استخدام الطاقة الشمسية والكهربائية وطاقة الهيدروجين المولد من الماء والذي سوف يكون قاصمة الظهر بالنسبة للبترول عندما يتمكنون من استغلاله بصورة اقتصادية وفنية، لذلك فإن استشعار الخطر والعمل على تقليل الاعتماد على البترول كمصدر أول للدخل والتحول إلى اقتصاد لا يعتمد عليه من أهم مراحل العمل الوطني المستقبلي. ولعل دولا أخرى مجاورة وغير مجاورة قد نجحت في تحقيق تلك المعادلة الصعبة من خلال التوجه إلى الاعتماد على اقتصاد المعرفة. * شح المياه من أكبر العوائق التي تواجه وتحدّ من فعاليات جميع مفردات التنمية كما أنها تشكل عائقاً أمام جلب بعض أنواع الاستثمار ناهيك عن انها تشكل خطرا استراتيجيا آنيا ومستقبليا سوف يؤثر في نمو السكان وفعالياته، وهنا لابد من الاشادة بما تبذله حكومتنا الرشيدة من جهود في سبيل توفير المياه لكل المدن والقرى من خلال عمليات تحلية مياه البحر على الرغم من التكاليف الباهظة؛ وحيث إن وفرة وخزن المياه يعتبر ذا أهمية استراتيجية فإن الاتجاه إلى الاستثمار في مجال تحلية مياه البحر وجلب المستثمر المناسب، وكذلك البحث عن وسائل أخرى لجلب المياه من مناطق الوفرة المائية بواسطة ناقلات البترول أو ناقلات تصمم خصيصاً لذلك الغرض بعد ثبوت جدواها ناهيك عن مد أنابيب لهذا الغرض تحكمها مصالح متبادلة ومعاهدات ملزمة على أن يكون الاعتماد على تلكما الوسيلتين اعتماداً جزئياً يمكن الاستغناء عنه وقت الضرورة، وبالمقابل فإن الاهتمام بالتغيرات المناخية والتصحر، والعمل على إعادة الغطاء الأخضر الذي انحسر كلياً أو جزئياً ذوا أولوية سوف يكون لهما مردود جيد على المدى الطويل. * العمالة المستورَدة أصبحت تشكل (30٪) من تعداد السكان وقد ثبت أن لتلك العمالة مشاكل اقتصادية تتمثل في حجب فرص العمل أمام أعداد كبيرة من الشباب الباحث عن العمل، كما تتمثل في تحويل عشرات المليارات من الريالات إلى خارج البلاد، أما المشاكل الأمنية فإنها كما أثبتت الحملات الأمنية تتمثل في التزوير والسرقة والقتل والاختطاف والاغتصاب، وربما أمور أخرى لم يتم الاعلان عنها أو اكتشافها. أما المشاكل الصحية فتتمثل في جلب الأمراض وصناعة الخمور والاتجار بالمخدرات ناهيك عن الأمراض التي تتسبب بها من خلال الغش وعدم النظافة، والعمل في المطاعم وإعداد وبيع وجبات مغشوشة ناهيك عن الانحطاط الأخلاقي وما يسببه من أمراض من خلال القوادة ومفرداتها، أما المشاكل الاجتماعية والثقافية والسلوكية التي تتسبب بها العمالة المنزلية فحدث ولا حرج. * ان غلاء المعيشة وارتفاع ايجارات السكن والبطالة وانخفاض سعر صرف الريال وأزمة الأسهم عوامل يترتب عليها ازدياد ظاهرة الفقر، وتدني مستوى الدخل وزيادة معدل التضخم بصورة سوف يكون لها انعكاسات اجتماعية واقتصادية وأمنية، وقد تنبهت قيادتنا الرشيدة إلى ذلك حيث صدرت الأوامر المتوالية التي تصب في خانة حلّ كثير من تلك المشاكل.. ولاشك ان القيام بدراسات ميدانية شاملة تحدد المشاكل العالقة مثل عدم تعدد مصادر الدخل ومستقبل الطاقة وخلق فرص عمل جديدة وبناء مدن جديدة في المناطق الاستراتيجية خصوصاً على السواحل والمناطق الأخرى ذات الأهمية الاستراتيجية كل ذلك سوف يساعد في خلق تنمية مستدامة قوامها الاستقرار والرضا والشعور بالأمان. إن اضمحلال الطبقة المتوسطة واتساع دائرة الطبقة الفقيرة ظاهرة خطيرة سوف تخلق استقطاباً في المجتمع يتمثل في غنى فاحش، وفقر مدقع ليس بينهما طبقة عازلة تضمن التدرج والتحول ما يولد النقمة وعدم الولاء وربما يجر ذلك إلى أمور غير مرغوبة أخرى. * ان الأزمات الدولية بعضها حقيقي وبعضها مفتعل. ولذلك فإن علينا استشعار الخطر من أزمة الاقتصاد العالمي التي أصبحت ظاهرة للعيان خصوصاً تلك البوادر التي تحيط بالاقتصاد الأوروبي والأمريكي والتي بكل تأكيد سوف يكون لها انعكاسات خطيرة علينا إن لم نتخذ الاحتياطات اللازمة، ومنذ الآن قبل أن تقع الفأس بالرأس كما يقول المثل: فاستثماراتنا هناك كبيرة وعملتنا مربوطة بالدولار وأسعار البترول مربوطة به كذلك، وهم لم يحسموا أمرهم تجاه مستقبل اقتصادهم الذي لا يزال يعيش إرهاصات ما سمي بأزمة الرهن العقاري وارتفاع مستوى العجز نتيجة الصرف على الحرب في كل من أفغانستان والعراق، وفشل بعض الخطط الاقتصادية وتخبط الاقتصاد رغم الاستقرار النسبي بعد حالات الإفلاس التي طالت بعض المؤسسات المالية والصناعية.. إن علينا أن نستعد للأسوأ قبل أن نؤخذ على حين غرة، أقول ذلك وأنا أعرف أن حكومتنا الرشيدة تحسب لكل شيء حسابه وشديدة اليقظة. * ان سباق التسلح المحموم وكذلك تلبد الغيوم في سماء الشرق الأوسط خصوصاً بسبب عربدة إسرائيل وهوج إيران وما سوف يترتب عليه من انعكاسات مدمرة على المنطقة فلكل من طرف من أطراف النزاع أجندته ومصالحه وتطلعاته على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وكل ذلك سوف يكون على حساب دول الخليج بصورة خاصة وعلى المنطقة بصورة عامة. إن الأدهى والأمرّ من الأمور الظاهرة هو احتمال تغيير التحالفات والولاءات في المنطقة نتيجة للضغوط الاقتصادية أو الصهيونية أو بهما معاً، والتاريخ يشهد على مثل تلك التحولات وهذا كله يوجب علينا أن نكون في منتهى استشعار الخطر والحذر، وأن تكون لنا حساباتنا الخاصة المعتمدة على رؤية مستقبلية مرنة وواعية، وأن نتذكر المثل الشعبي الذي يقول «ضع يد بالجال ويد بالرشا». * نعم لقد تم استشعار خطر الإرهاب ومفرداته وما يترتب عليه من مشاكل وتم التعامل معه بمهنية عالية واستراتيجية مناسبة، وكفاءة فائقة ما أدى إلى أن يتم التعامل معه بصورة استباقية متميزة، لذلك فإن اتخاذ تلك التجربة وتلك المهنية العالية وما تتميزان به من ادارة طوارئ ناجحة يقودها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني ووزير الداخلية بمعاضدة صاحبيْ السمو الملكي الأمير أحمد بن عبدالعزيز، والأمير محمد بن نايف جناحيه الفاعلين - حفظهما الله - وبتوجيه من قيادتنا الرشيدة بقيادة الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز - حفظهما الله - أسلوب عمل يحتذى في محاربة المشاكل الأخرى التي تحتاج إلى حل جذري يبدأ بوضع خطة عمل يشرف عليها رجال مخلصون وينفذها رجال ذوو مهنية عالية وضمن برنامج زمني محدد. نعم أقول ذلك وأنا أعرف ان الايجابيات أكثر بكثير من السلبيات في بلادنا الحبيبة ولكن القاعدة تقول إن التصدي للسلبيات يعزز الايجابيات وإن الإنسان ذا الفطرة السليمة دائماً يرى الايجابي ويرى السلبي، وهو يعرف أن هذين العاملين متلازمان في العمل الإنساني ولا يمكن فصلهما عن بعضهما ولكن يمكن تعزيز نسبة الايجابي على حساب نسبة السلبي من خلال الاخلاص في العمل ، والمشورة وحسن النية وحب الوطن وقيادته وشعبه. والله المستعان..