طبيعي أن تتعثر مساعي الوساطة الخليجية لإنهاء الصراع الدموي في اليمن؛ لأن الاعتراض اليمني لا يقوم على مبدأ توفير مصلحة عامة، ولكنه يحاول توفير - وبجهد دموي - وجود مصلحة خاصة.. هذه الظاهرة، مع الأسف، تسود كثيراً من الدول العربية، وإن كانت المجتمعات الأفضل وعياً والأقدم تجربة تطويرية في تنوّع وسائل خدمة المجتمع هي الأبعد عن السيادة القبلية التي أيضاً لا نجد لها شراسة وجود في كثير من المجتمعات كما هو وجودها في اليمن.. لكن رأينا كيف تطوّر الخلاف في تونس إلى تنوّع رغبات أو مطالبة حقوق، ولم تتخلص الجزائر - الأفضل إمكانيات عن غيرها أفريقياً - من وجود صراع الفئات.. أما العراق ولبنان فقد سلّم كل منهما ذاته إلى تعدّد المواجهات بتحفيز من قوى غير عربية، حتى أصبح اليأس أكثر حضوراً من الأمل.. يفترض أن تكون لنا براعة قدرات ملاحظة وتفهّم لمراحل التخلّف التي قادت العالم العربي الذي يعاني من عجز القدرات كما في شرق آسيا، ومع ذلك فالفلبين مثلاً أو تايلند هما أفضل استقراراً وتقدماً للأمام.. أعتقد أن هذه البراعة متوفرة إذا تأملنا ظاهرتين بارزتين في ماضي السنوات التي تتجاوز الخمسين عاماً؛ حيث كنا قبل هذا العصر نوصف بالتخلف والركود، وهو ما نفته حقيقة الاستقرار من ناحية ومسارات التطور الطبيعية من ناحية أخرى.. الأمر الذي جعلنا نجتاز تلك المحاصرة الإعلامية بنجاح أفشلها؛ ليس في دخول خصومات معها وإنما بنتائج تقدّم واستقرار مكنتنا في هذا العصر أن نقدم البراهين الأقوى؛ ليس من خلال الخطب.. كما في الأنظمة الثورية.. ولكن بتوالي وجود القرارات التأسيسية لمضاعفة التطور التي تبناها الملك عبدالله.. ولعل أروع مقارنة نستطيع أن نوردها بشواهدها ذلك الفارق الهائل بين تنوّع مظاهر الولاء والمحبة التي قدمها المجتمع احتفاءً برائد الإصلاح والتطور عند عودته من أمريكا، وبين ما كانت عليه المجتمعات العربية وقتها من تعابير رفض..