تبدو بطولة كأس خادم الحرمين الشريفين للأندية الأبطال التي ظفر بها النادي الأهلي كآخر بطولات الموسم الرياضي السعودي هي واحدة من أغلى بطولاته التي حققها إن لم تكن الأغلى على الإطلاق، وذلك لاعتبارات عديدة يدركها جيداً الاهلاويون أنفسهم، ومن تابع مسيرة الفريق على الأقل هذا الموسم الذي عانى فيه الأمرين وعلى غير صعيد. ولعل من تابع الفرحة الهستيرية التي كان عليها جميع الأهلاويين من إداريين وشرفيين ولاعبين وجماهير بعد آخر ركلة ترجيحية سددها البرازيلي فيكتور سيموس وهز بها مرمى حارس الاتحاد مبروك زايد يدرك حقيقة الأمر، إذ لم تأت تلك الفرحة مبالغة بقدر ما كانت معبرة عن واقع الحال الصعب، الذي عاشه الفريق منذ بداية الموسم الطويل والشاق وحتى آخر يوم فيه، وكأنهم بذلك يطبقون المثل القائل: "من يضحك أخيراً.. يضحك كثيراً". العودة للجذور الفريق الأهلي بتحقيقه للقب كأس الملك يكون بذلك قد عاد لساحة البطولات التي غاب عنها منذ آخر بطولة حققها في العام 2008 حينما ظفر بكأس الأندية الخليجية على حساب مواطنه النصر، وهو غياب يعد طويلاً لفريق بحجم الأهلي الذي تتوخى جماهيره منه تحقيق الألقاب في كل عام بل إنها تراهن عليه في كل بطولة يخوضها؛ خصوصاً في منافساته المحلية؛ إذ كان الأهلي ولا يزال يصنف على أنه واحد من (الأربعة الكبار) وهو المصطلح الذي يتداول إعلامياً وجماهيرياً في السعودية للإشارة إلى أندية الهلال والنصر والاتحاد والأهلي، باعتبارها الفرق التي كانت تستحوذ على البطولات في بداية العقود الأولى قبل أن يدخل الاتفاق على الخط في الثمانينيات ثم الشباب في التسعينيات، وهو ما استدعى البعض للحديث عن ضرورة تغيير معادلة (الكبار)، ومنهم رئيس نادي الشباب خالد البلطان الذي ألقى بمطالبته تلك بحجر كبير في بركة التنافس المحلي. (الراقي) يجدد علاقته ب«أغلى البطولات» بعد قطيعة دامت 28 عاماً وبعودة الأهلي لارتقاء منصة التتويج بالذهب يكون بذلك قد عاد لجذوره، باعتباره ظل ولسنوات طوال ركيزة من ركائز البطولات، إذ وعلى الرغم من أنه لم يحقق بطولة الدوري السعودي منذ 27 عاماً حيث كان آخر عهده بالبطولة السعودية الأقوى في العام 1984، إلا انه ظل وطوال تلك السنوات حاضراً في المزاحمة على البطولات؛ خصوصاً تلك البطولة التي توصف عادة ب "بطولات النفس القصير"، رغم أنه تأخر بعض الوقت في السنوات الأخيرة إذ كانت آخر بطولاته من هذا النوع في العام 2007 حينما حقق بطولتي كأس الأمير فيصل بن فهد، وبطولة كأس ولي العهد، وكلتاهما تحققتا بالفوز على غريمه نادي الاتحاد. 28 عاماً من الغياب وتأتي عودة الفريق الأهلي لتحقيق لقب "كأس الملك" تحديداً لتكون واحدة من الاعتبارات التي ضاعفت الفرحة الأهلاوية، فالفريق الذي عرف منذ سنوات بلقب "قلعة الكؤوس" كان قد حقق هذا اللقب تحديداً 10 مرات، وهو رقم استثنائي لا ينافسه عليه أحد، بيد أنه ابتعد عن تحقيقه منذ 28 عاماً بعد ان حققه آخر مرة قبل 28 عاماً، حينما فاز في نهائي عام 1983 على حساب الاتفاق بهدف نظيف. صحيح أن البطولة قد توقفت في العام 1990 ولم تستأنف إلا في العام 2007 بعد تحويل مسمى الدوري إلى كأس دوري خادم الحرمين الشريفين، إلا أن الأهلي خلال الفترة التي أعقبت فوز بآخر لقب وحتى بعد استئناف البطولة بعيداً عن ملامسة الكأس التي تعد البطولة الأغلى عند السعوديين، وإن لم تكن الأقوى باعتبار أن بطولة الدوري تمتاز بذلك أسوة بكل الدوريات في العالم. وتعتبر علاقة الأهلي بكأس الملك علاقة قديمة، إذ تعتبر ثاني بطولة يحققها الفريق منذ تشكيل البطولات في السعودية حينما حققها أول مرة في العام 1962، بعد ان كان قد حقق قبلها بطولة كأس ولي العهد في العام 1956. اصطاد ثلاثة عصافير بحجر الاتحاد وبطاقة (الآسيوية) إنجاز آخر تسديد فواتير وبالإضافة إلى ذلك فإن عبور الأهلاويين للقب من بوابة الاتحاد تحديداً يجعل للبطولة طعما مختلفا تماماً؛ باعتبار التنافس القديم المتجدد بين الفريقين اللذين يمثلان قطبي الرياضة في مدينة جدة، عدا عن أن الأهلي بفوزه يكون قد سدد بعض الفواتير المتخلفة عليه أمام غريمه التقليدي؛ خصوصاً وأنه لم يقدر على تحقيق الفوز عليه منذ ثلاثة مواسم وتحديداً منذ يناير 2009، إذ ظل (العميد) يتسيد المواجهات حتى هذا الموسم الذي هزم فيه جاره في مواجهتي الذهاب والإياب في الدوري، حينما انتهت المباراة الأولى بنتيجة 3- 1، والمباراة الثانية بنتيجة 2- صفر؛ وبطبيعة الحال فإن إسقاطه لخصمه في النهائي له معنى مختلف تماماً، لاسيما وأنه قد أطاح به قبل هذه المرة في نهائيين في العام 2007، ما قد يشكل له عقدة في النهائيات. رقصة المزمار أداها جمهور كبير من عشاق القلعة داخل أرض الملعب (تصوير- محسن سالم) البطاقة الآسيوية وكان من الطبيعي أن تبلغ الفرحة أوجها لدى الأهلاويين؛ خصوصاً وان الفوز قد حقق لهم مكاسب كثيرة مادية ومعنوية، فمن المكاسب المادية أن الفريق قد اختطف البطاقة الرابعة وهي الأخيرة المؤهلة لدوري أبطال آسيا في العام المقبل؛ باعتبار أن المقاعد الثلاثة الأولى قد ذهبت للهلال والاتحاد والاتفاق باعتبارهما أصحاب المراكز الثلاثة الأولى في الدوري، إذ يقر النظام تأهلهم بالإضافة إلى بطل كأس الملك، وهو ما يعني في ذات الوقت أنه قد فوت الفرصة على الشباب رابع الدوري الذي كان ينتظر فوز الاتحاد لتتاح له الفرصة بدلاً عنه، ولإقصاء الشباب تحديداً بعد يعني للأهلاويين الكثير، باعتبار الصراع الذي نشب بين الناديين في السنوات الأخيرة وبلغ أوجه هذا الموسم بعد حادثة الاحتجاج على السعران والتي فجرت الموقف بين الناديين. الخروج من المأزق وبعيداً عن ذلك كله فإن البطولة قد أخرجت الفريق الأهلاوي من مآزق كثيرة عاشها هذا الموسم الذي عصفت فيه قضايا كثيرة، لعل أبرزها فشله في تثبيت دعائم الفريق فنياً بسبب تعاقب أكثر من مدرب عليه، فبعد حاثة هروب البرازيلي فارياس للوصل الإماراتي في الصيف الفائت حينما كان الفريق يتحضر للموسم في معسكره الخارجي، ما اضطر إدارة النادي للتعاقد مع المدرب النرويجي سوليد الذي فشل في مهمته ما اضطر الإدارة الأهلاوية لإقالته لإعادة قطار الفريق في الدوري لسكته التي خرج عنها، ليحل بديلاً عنه بشكل مؤقت التونسي خالد بدرة الذي لم يمكث طويلاً حيث تم التعاقد مع الصربي ميلوفان الذي نجح في الإمساك جيداً بمقود الفريق وتصحيح مساره قبل أن يصدم الأهلاويين بالتعاقد مع المنتخب القطري، ليحل مساعده الكسندر أليكس بديلاً عنه وهو الاسم المغمور لينجح في تحقيق ما عجز عنه كبار المدربين حينما استطاع تأهيل الفريق لكأس خادم الحرمين الشريفين للأندية الأبطال بتحقيقه للمركز السادس في الدوري، ومن ثم تحقيق اللقب الذي كان أن يطير منه بعد خسارته في أول مبارياته في ذهاب دور الثمانية أمام الشباب بنتيجة 1-3 قبل أن تؤول الأمور لمصلحته باعتباره فائزاً 3- صفر بعد كسبه للاحتجاج المرفوع ضد الشباب لإشراكه السعران الموقوف آسيوياً في القضية الشهيرة ، ليعبر لنصف النهائي رغم خسارته أيضا في الإياب صفر-1، ليكون (الاحتجاج) جسر عبوره لمنصب التتويج باللقب.