الكل يكتب ويتحدث ويشتكي من غياب الحوار الموضوعي. أقراً في كل صحيفة ومجلة، وأستمع لأكثر من حوار وأجد أن الجميع يطالبون باحترام تعدد الآراء، ورفض حوار الإملاء واستنكار (شخصنة) الحوارات ثم أنتهي إلى النتيجة التالية: إذا كنا جميعاً ننتقد الحوار المتشنج والفكر الاقصائي والحوارات غير الموضوعية، فمن الذي يفعل ذلك؟! النقل العام مشروع حيوي وله إيجابيات كثيرة سواء نظرنا إليه من زاوية (المرور) أو من زاوية اجتماعية أو اقتصادية. مشروع في منتهى الأهمية كنا بحاحة إليه منذ فترة طويلة ومع ذلك نقول أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي على الاطلاق. فمتى سيأتي؟ قرأتُ في الرياض يوم الجمعة 15 رجب 1432ه أن (284) مشروعاً للتعليم والصحة والنقل متعثرة منها (108) تشتكي من تدني نسب الإنجاز مقارنة بالمدة الزمنية المحددة لذلك، و(176) انقضت المدة المحددة لتنفيذها ولكن لم ينته المقاولون من إنجازها، وكان النصيب الأكبر منها لوزارة التربية والتعليم (123) ثم وزارة الصحة (100) مشروع ووزارة النقل (61) مشروعاً. لم نعرف أسباب التأخير لأن ديوان المراقبة العامة الذي رصد هذه المشروعات طالب بتفعيل الرقابة والمتابعة لتلك المشروعات، ودراسة أسباب التأخير والعمل على معالجتها وتطبيق نصوص وأحكام العقود بجدية، وتوجيه المقاولين بتكليف الأعمال لسرعة إنجاز هذه المشروعات لتحقيق الاستفادة منها. السؤال الآن هو: إذا لم تنفذ توصيات الديوان ولم تطبق تلك الأجهزة النظام على المقاولين المتأخرين، فماذا سيحدث؟ ماهي الخطوة التالية؟ إذا كنا نؤيد نظام ساهر من حيث المبدأ ونختلف حول أسلوب تطبيقه، فإننا نطالب بساهر آخر يراقب ويعاقب من يرمي النفايات والمخلفات في الشوارع، أو يقذف بها من نوافذ السيارات. المشكلة أن من يفعل ذلك قد يكون للتو خارجاً من المسجد، وربما بعد صلاة الجمعة، والمؤلم أن صاحب هذا السلوك لا يتقبل النصيحة ويرد عليك بقوة وثقة وكأن ما يفعله سلوك عادي لا يحق لأحد أن يعترض عليه وكأنما هو حرية شخصية. الساهر في هذه الحالة هو الضمير عند الانسان الذي يفعل الشيء الصحيح ليس خوفاً من العقاب، ولكن لأنه يترجم القيم التي يؤمن بها، ولكن في الصورة السابقة نام الضمير، ونام (ساهر). ويرتبط بالصورة السابقة منظر الحدائق العامة بعد مغادرة الناس لها. أحد الأصدقاء يروي لي أنه دعا أحد أصدقائه ليرافقه في زيارة إلى بلدته الصغيرة (مسقط رأسه) ليتباهى بجمالها ونظافتها. وفي جولة صباحية مبكرة أخذه إلى إحدى الحدائق العامة فكان المنظر مخجلاً لأن اللون الأخضر تحول إلى لوحة مختلطة الألوان رسمت بريشة النفايات والأوراق والعلب الفارغة. لم يجد ما يقوله لصديقه سوى هذا السؤال: هل نحن بحاجة إلى ساهر في كل مكان؟ وهل هذه صورة يتيمة؟ الترشيد، الكل يطالب بالترشيد، حتى وصل الأمر إلى المطالبة بترشيد الكلام. لكن الترشيد الملح الآن هو الترشيد في استخدام الطاقة، والترشيد في استخدام المياه، والترشيد في الوجبات الغذائية وإقامة المناسبات. الكهرباء في الشوارع والبيوت والمكاتب تحتاج إلى ترشيد. في بعض المنشآت والمؤسسات تظل الأجهزة مفتوحة حتى اليوم التالي، وتضيء الكهرباء في كل مكان دون مبرر. أما قضية العادات الاستهلاكية فالصورة القريبة للذهن هي صورة المتسوق الذي يذهب إلى السوبرماركت لشراء بصل فيخرج بعربية لا يستطيع دفعها لكي يدفع ما يقارب الألف ريال، وعندما يعود إلى البيت يجد الأولاد في انتظاره للاستئذان بطلب وجبة من خارج المنزل!