توفر الجبال العالية أماكن للاختباء لا تنتهي، والبوادي المترامية الفارغة تبتلع منظر أي إنسان يتواجد فيها. والأمن الحدودي هو شبكة مفككة من محطات الحراسة والمراقبة تعمل فيها قوات غير مدربة وممولة بشكل جيد. لقد استغل مهربوا المخدرات طبيعة هذه الأرض الآسيوية الوسطى منذ سنوات وحولوا درب الحرير الأسطوري إلى طريق رئيسي لتهريب الأفيون. واليوم جاءت الاضطرابات السياسية لتزيد من المخاوف من أن المهربين يجلبون معهم شيئاً أسوأ من المخدرات - مواد نووية قد يستعملها إرهابيون لصنع أسلحة انصهارية أو «قنابل قذرة» غير متقنة. و«هذا خطر أمني جديد» كما يقول مكتب الأممالمتحدة للمخدرات والجرائم. وتعتبر طاجكستان التي لها حدود مشتركة طولها 1,335 كيلومتر مع أفغانستان أكثر الأراضي خصوبة لتهريب المواد النووية عبر درب المخدرات، حسب «مركز دراسات عدم التكاثر» التابع لمعهد مونترياي للدراسات الدولية في كاليفورنيا. والقلاقل التي وقعت في كيرغيزستان المجاورة لطاجكستان، أثارت المخاوف بأن تسبب الثورات ضد الأنظمة القمعية في الجمهوريات السوفياتية السابقة فوضى واضطرابات تزيد من السهولة التي يخفي بها المهربون أعمالهم عن الأعين. ويقول داورن ابن - منسق البرامج في مكتب مركز عدم التكاثر في كازاخستان: «لا نعرف مقدار المواد المشعة في السوق، ولكن نعرف أن الحصول عليها في غاية السهولة والرقابة في أضعف حالاتها في طاجكستان». ويضيف ابن: «إن المواد المشعة بات الحصول عليها أسهل وتجميعها أسهل وتخبئتها واستعمالها أسهل - مما يجعل منها سلاحاً مفضلاً لدى الإرهابيين. إن هذا خطر أمني كبير آت من آسيا الوسطى بسبب كثرة طرق التهريب والاتجار في هذه المنطقة واستحالة حماية كل متر مربع من الأرض». إن «القنبلة القذرة» ليست سلاحاً نووياً، إلا أنها تفجر بمتفجرات تقليدية من أجل بعثرة ونثر المواد المشعة بغية التلويث ونشر الذعر بين الناس وإرغامهم على الجلاء عن المناطق المستهدفة. ويشار إلى أنه في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي في العام 1991 اختفت مواد مشعة بفعل فاعل من المنشآت في البلدان الآسيوية الوسطى حديثة الاستقلال. ولا تملك الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقديرات حول الكميات المختفية، إلا أنها تقول إن هذه ظاهرة واسعة الانتشار. ومعروف أن أقوى المواد المشعة مثل الكوبالت - 60 والسترونتيوم - 90 والسيزيوم 137 والايريديوم - 192 تستعمل في أجهزة المعالجة الشعاعية والآلات الإشعاعية الصناعية ومولدات الكهرباء الحرارية. وقد ذكر المدير العام لوكالة الطاقة الذرية الدولية محمد البرادعي في مؤتمر للوكالة عُقد في فيينا في شهر مارس الماضي أن «القنبلة الذرية» تشكل أكبر خطر أمني بسبب وفرة المواد المشعة وسهولة الحصول عليها. وقال البرادعي: «إن احتمال حصول إرهابيين على جهاز تفجير نووي واستعماله ضئيل نسبياً، إلا أنه لا يجوز استبعاده، والمضاعفات ستكون مدمرة. ومن ناحية أخرى الأرجح أن القنبلة القذرة سيكون لها أثر أقل من حيث الضحايا البشرية إلا أن السهولة النسبية للوصول إلى المصادر المشعة تزيد من احتمال وقوع حادث من ذلك النوع». وأشار البرادعي إلى أنه في السنة الماضية وحدها سجلت وكالة الطاقة الذرية الدولية حوالي 100 حالة اتجار غير مشروع بالمواد النووية والمواد المشعة الأخرى، وقال ان عدد الحوادث يبين انه ينبغي تشديد تدابير مراقبة وضبط المواد النووية والمواد المشعة الاخرى. وقال جمشيد عبد الشكوروف، أحد علماء معهد الفيزياء والهندسة الحكومي في العاصمة الطاجيكية دوشانبه، ان وكالة الطاقة قدمت مبلغ 100 الف دولار للمساعدة في البحث عن المواد المشعة الضائعة. وفي العام 2000 أسست الحكومة «وكالة الطاقة الذرية» لوضع جردة للمواد المشعة في طاجيكستان. وقال ايغور ستاروف، رئيس دائرة المعلومات في وزارة الخارجية الطاجيكية: اننا مصممون على منع عبور أي شيء لحدودنا، إلا انه ليس من الواقعية القول اننا نستطيع اغلاق حدودنا تماماً. ان افغانستان تشاركنا في الحدود الطويلة والكل يعرفون كل شيء عن المخدرات التي تأتينا من هناك. ولم تكن طاجيكستان، أفقر الجمهوريات السوفياتية السابقة، تمتلك مواد كافية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي لتأسيس حرس حدود خاص بها وطلبت من القوات السوفياتية البقاء من اجل مراقبة المهربين على الحدود في بعض اعلى الجبال في العالم وعلى مدى الصحاري المجدبة الغبراء. أحد هؤلاء الجنود الذين يحرسون الحدود هو الكولونيل الروسي الكساندر كوندراتييف. ويشير كوندراتييف الذي يرتدي بدلة مرقطة الى خريطة كبيرة في مكتبه في دوشانبه ويمرر اصبعه على حد الحدود بين طاجيكستان وافغانستان. ويقول كوندراتييف: في هذا المكان خضنا 21 اشتباكاً مختلفاً مع اشخاص مسلحين في السنة الماضية. وقد صادرنا 43,000 قطعة سلاح في السنة الماضية ايضاً. وجرت غالبية الاشتباكات بين رجال حرس الحدود ومهربي المخدرات والحراس الشخصيين المدجدجين بالسلاح الذين يرافقون الشحنات. ومع ذلك يستعد كوندراتييف لانهاء مهمته. فالحراس الروس بدأوا يغادرون بطلب من حكومة طاجيكستان التي تريد ان تستعيد سيادتها. وسيستكمل الانسحاب الروسي مع حلول فصل الصيف. ويعتبر البوليس الدولي (الأنتربول) ومكتب المخدرات والجريمة التابع للأمم المتحدة منطقة آسيا الوسطى مشكلة متفاقمة بسبب الطرق المتأسسة ونقص الاستخبارات الموثوقة.بعض الطرق التي يسلكها المهربون لها أقسام تعود إلى «طريق الحرير» التاريخي القديم الذي يربط باكستان بمنطقة الكاشغار المضطربة شمال شرقي الصين والذي يمر عبر البلدان الآسيوية الوسطى إلى بحر قزوين ومن هناك إلى أوروبا. برنار فراهي من مكتب المخدرات التابع للأمم المتحدة في فينا، قال في حديث مع الأسوشيتد برس إن «إغلاق الحدود تماماً أمر مستحيل. ببساطة لا يمكن عمل ذلك». وأضاف فراهي: «إن شبكات التهريب منظمة تنظيماً جيداً، ليس من الناحية الجغرافية فحسب، بل من ناحية الاتصالات - أناس في المكان المناسب في نقاط العبور، والشاحنات التي تستعمل على مختلف الطرق، واستعمال الشبكات والإجرام المنظم في مناصرة الإرهاب». وهذه السنة سيفتح مكتب الأممالمتحدة للمخدرات أول مركز إقليمي للمعلومات في آسيا الوسطى وذلك بسبب نقص المعلومات الآتية من المنطقة، وضرورة «سد الفجوة الكبيرة التي ينبغي أن تسد» حسب فراهي. ويقول أحد كبار مسؤولي الإنتربول إن الإرهابي العتيد المحتمل سوف يبحث على الأرجح عن الموقع وطرق التهريب الأقل تحصيناً التي تمر عبرها المخدرات والأسلحة والأموال. ويشير هذا المسؤول إلى أن تجنيد الانتحاريين المستعدين لربط أحزمة المتفجرات - وربما قنبلة قذرة في أحد الأيام - على أجسامهم أمر سهل ولا سيما بين الفقراء. إنما الأمر المقلق أكثر هو المؤشرات إلى أن اشخاصاً متعلمين بينهم خبراء كومبيوتر ومتفجرات، ينضمون إلى جماعات متشددة. وقال المسؤول ان مكافحة هذه المشكلة صعبة لأن تطبيق القانون ضعيف والخبرة الاستخباراتية غير متطورة في آسيا الوسطى بل إنها تتركز على أماكن أخرى منذ أحداث 11 سبتمبر . وقد طلب المسؤول عدم ذكر اسمه بسبب الطابع الحساس للموضوع. واضاف المسؤول ان الامر الاكثر اثارة للقلق الآن هو نقص الاستخبارات القوي حول العلاقات بين الجماعات الاسلامية المتشددة - ومنها جماعات ذات صلة بتنظيم القاعدة لاسامة بن لادن - مثل الحركة الاسلامية لأوزبكستان وجماعات اخرى ذات صلات اكثر مثل حزب التحرير الذي يزداد قوة في عدة بلدان آسيوية وسطى. وقالت المجموعة الدولية للازمات في بروكسل انه ترددت انباء غير مؤكدة عن ان الجماعات عقدت تحالفاً بين قادة حزب التحرير وقادة الحركة الاسلامية لأوزبكستان وحركة الطالبان الافغانية التي هزمتها الهجمات الأمريكية في افغانستان.