نشرت صحيفة نيويورك تايمز في عدد أبريل الماضي موضوعا عن تضاعف حجم البيانات كل 1.2 سنة، ويقصد بالبيانات هنا كل أنواعها من نصوص وصور وفيديو وصوت والتي تأتي من مصادر متعددة من حولنا مثل شبكات المحمول والإنترنت وغيرها. ولكن ماذا يمكن أن نفعل بالكم الهائل من البيانات التي تنتجها العديد من الأشياء من حولنا؟ أو بمعنى أصح كيف يمكن الاستفادة من هذه البيانات للحصول على خدمات أفضل؟دعونا نعود بالزمن للوراء قليلا، فقبل أكثر من عشر سنوات مضت، كانت هناك محاولات لشركة (IBM) في بناء حاسوب خارق أطلقت عليه اسم (Deep Blue) وذلك للفوز على بطل العالم في لعبة الشطرنج. تم ذلك عن طريق تزويد هذا الحاسوب الخارق بمعلومات ضخمة تساعده في اتخاذ القرار. وفي هذا العام وعلى يد الشركة نفسها، تم بناء حاسوب خارق آخر يدعى واتسون (Watson) وبقدرات تفوق نظيره (Deep Blue) ولذلك للفوز في مسابقة (Jeopardy) التي تطرح أسئلة مخادعة تتطلب قدرة على التحليل والفهم لا يستطيع القيام بها إلا الذكاء البشري، ومع ذلك استطاع واتسون أن يتغلب في تلك المسابقة. من المعروف أن المنطق البشري يتكون من معلومات غير مترابطة يقوم العقل على تحليلها والربط فيما بينها لإصدار القرارات. وعليه فإن البشر يقومون بهذا العمل يوميا بدءاً من القرارات السهلة وحتى القرارات المعقدة وذلك بالاستفادة من المعطيات المتراكمة في أدمغتهم. ولكن ما علاقة المنطق البشري بالخدمات الأفضل التي ذكرناها في بداية المقال؟ العلاقة تكمن في أن توجه الاقتصاد العالمي هو في تقديم الخدمات الذكية بدلا من التصنيع والزراعة، بحيث نستغني عن اليد العاملة لإدارة الخدمات، ويتم ذلك عن طريق الاستفادة الذكية من البيانات. ولتوضيح الفكرة دعونا نضرب مثالا من المجال الصحي. فالبيانات المنتجة في المجال الصحي مهولة جدا، فكيف يمكن الاستفادة منها لتقديم خدمات أذكى للمرضى؟ الإجابة هو في تحليل هذه البيانات والربط فيما بينها للحصول على النتيجة. ففي أحد المستشفيات في الولاياتالمتحدة يقومون بربط سرير الطفل الخديج بأجهزة وحساسات عالية جدا مرتبطة ببرنامج لاتخاذ القرار تراقب الطفل على مدار الساعة لمعرفة متى يصاب بجرثومة من نوع معين، فإذا ما تم التشخيص قبل الأوان أو متأخرا قد يؤدي ذلك إلى موت الطفل. لذا على البرنامج أن يستفيد من كم البيانات المستقبلة من الأجهزة المتصلة بسرير الطفل وتحليلها واتخاذ قرار تحديد الوقت المناسب لضخ جرعة الدواء للطفل. وعودة لشركة (IBM) وسعيها الحثيث في بناء حواسيب خارقة. فالشركة ذاتها تعمل حاليا على نظام ذكي من حاسوب واتسون سيسمى د.واتسون مخصص للمجال الطبي، يعمل على قراءة وتحليل المقالات الطبية، والتي تنتج المئات منها يوميا، لبناء قاعدة معرفية طبية ومن ثم تحليل معطيات المريض وتقدير المرض بنسبة عالية من الدقة مستند بذلك على المعلومات والحقائق التي استخلصها من الأبحاث الطبية في قاعدته المعرفية. ختاما، إن البيانات المتوفرة بكثرة من حولنا هي من ستستبدل اليد العاملة وستدفع بالخدمات لتصبح أكثر ذكاء، فالعملة للخدمات الجديدة هي البيانات، وبالتالي فإن العديد من الخدمات ستتحسن من ناحية الإنتاجية والجودة والإبداع. والنتيجة الطبيعية لذلك هو تحول الاقتصاد العالمي من اقتصاد قائم على السلع الملموسة إلى اقتصاد مبني على الخدمات الذكية.