بعد وداع زوجها وابنائها ودعائهم لها بأن ييسر الله عليها ويخرجها من غرفة العمليات بالسلامة.. دخلت (ام ناصر) غرفة العمليات رقم 4 موكلة امرها الى الله سبحانه وتعالى ثم الى الجراح الذي سيقوم بإزالة المرارة بالمنظار حيث انها قد عانت من هذا المرض كثيرا ..جاءتها طبيبة التخدير وشرحت لها ماستقوم به للبدء في التخدير ... في ذلك الوقت كان كل شيء في غرفة العمليات يمشي حسب ماهو متبع ومرسوم له وبشكل روتيني ...وبعد دخول ام ناصر في مرحلة فقدان الوعي ...بدأ الفريق الجراحي بعمل مداخل جراحيه للمناظير في جدار البطن.. واثناء ضخ غاز ثاني اكسيد الكربون في تجويف البطن لتسهيل عملية ازالة المرارة بالمنظار ..فجأة وبدون اية مقدمات توقف قلب ام ناصر فقام الفريق الطبي الموجود في غرفة العمليات بالأنعاش القلبي الرئوي وخلال ذلك ادخلت قسطرة وريدية في أحد اوردة الرقبة وحاول الفريق الطبي سحب بعض الدم مع فقاعات من الهواء وبعد دقائق معدودة تحسن النبض والضغط والاكسجين نسبيا ونقلت المريضة بعد ذلك الى العناية المركزة لمدة اربع وعشرين ساعة .وقام الفريق الطبي بشرح تلك المضاعفات النادرة لهذه العملية لزوج المريضة ثم نقلت الى الجناح لمدة يومين وبعد ذلك طلبت المريضه الخروج الى منزلها .بعد تلك الحادثة بأسبوعين أتى الزوج وزوجته الى عيادة القلب يسألان عن نقطتين محددتين : 1.هل حدثت لدى (ام ناصر) جلطه بالقلب ؟ 2.هل كان هناك خطأ طبي خلال العملية؟ ولأهمية هذا الموضوع وكثرة تناوله من المرضى حديثا فلابد لنا من اطلاع القارئ على مفاهيم عامه عن هذا "المرض ". اولًا- من المعروف علميا ان الدم في الاوعية الدموية وداخل القلب خالٍ من فقاعات الهواء نهائيا مهما صغر حجمها ويكون الاكسجين وثاني اكسيد الكربون مذابا في الدم حتى يصل الى الرئتين او خلايا الاعضاء المختلفه في الجسم ويتم التبادل " الغازي" كل على حسب حاجته ووظيفته. ثانياً- يكون الدم تحت ضغط داخل الاوعية الدموية سواء كان وريديا او شريانيا ويكون الضغط اكبر من الضغط الجوي المحيط بالانسان (باستثناء بعض الاوردة فوق مستوى القلب حيث ان ضغطها منخفض لتسمح برجوع الدم الى القلب) اما الضغط الشرياني فيزيد كثيرا عن الوريدي ولذلك تجد ان الشريان عند انقطاعه في حادث –لاسمح الله- يدفع الدم تحت ضغط عالٍ لمسافة طويلة خارج الجسم اما الدم الوريدي فينساب حول المنطقة المتأثرة. الجلطة الهوائية خطيرة العواقب ومن الممكن تجنبها ثالثاً- في جميع انحاء العالم وخصوصا في المستشفيات وفي وجود محاليل تجري في اوردة المريض ...قد تحدث فقاعات هوائية في الجانب الوريدي ولكنها ليست خطيرة لأن حجمها صغير ويتم التخلص منها عند مرور الدم في الرئتين الا اذا كان هناك ثقب في القلب ففي تلك الحالة يجب وضع فلتر خاص لتنقية ذلك المحلول من الفقاعات لأنها قد تنتقل الى الجانب الشرياني وتسبب جلطات في الدماغ او القلب..... وقدرة الجسم على سرعة التخلص من تلك الفقاعات تعتمد على الحجم الكلي للفقاعات وسرعة دخولها الى الجسم وكفاءة الرئتين في ذلك المريض وكذلك وضع الجزء الأعلى من الجسم بالنسبة لمكان القلب. رابعا -اذا دخلت فقاعات الهواء في الوريد فإنها تذهب الى الجانب الايمن في القلب ثم الى الرئتين حيث يتم التخلص منها ...اما في الجانب الشرياني فمن الممكن ان كمية قليلة جدا مثل 0.2 مللتر من الهواء ان توقف القلب وكذلك من الممكن ان جزءاً واحداً من عشرة اجزاء من المليلتر من الهواء أن يسبب الجلطة الدماغية اما الهواء على شكل فقاعات بسيطة في المحلول الوريدي فالحد الاعلى هو 0.30 ملل/كلغ /دقيقه (اي حوالي 30مللتر في شخص وزنه 100 كلغ يمكن ان تدخل الوريد خلال الدقيقه ولاتسبب اضراراً صحية ) , ولذلك فانه يجب التأكد ان الابرة تحتوي على المحلول او الدواء المطلوب خصوصا اذا كان شفافا ولاتحتوي على فقاعات وعدم الخلط بينه وبين ابرة "فاضية" لأنها قد تقضي على المريض فورا ومن الاشياء التي تؤثر على الاعراض المصاحبة للجلطة الهوائية هي نوعية الغاز المكون للجلطة لأن فقاعات النيتروجين اكثر صعوبة للتخلص منها من فقاعات الاكسجين الصافي والمشكلة ان 78% من الهواء نيتروجين و 21% منه اكسجين وخطورة الفقاعات الهوائية داخل الدم انها تتصرف تماما كالخثرة الدموية فهي تسد الشريان الى ذلك الجزء من الجسم مما يسبب جلطة وكذلك فهي تساعد على تكوين الخثرات الدموية. يجب التأكد من خلو الحقنة الوريدية من الفقاعات قبل اعطائها للمريض خامسا- في حالات معينة يزداد الاشتباه في الجلطة الهوائية فمثلا : في بعض حالات الغوص عند الصعود الى سطح البحر بسرعة , وعند بعض العمليات في الدماغ او في منطقة الانف او في مثل حالتنا اعلاه او في عمليات الرئة او حوادث السيارات وبالذات في منطقة الصدر او من هم على جهاز التنفس الصناعي بمعايير معينة. سادسا-هناك امراض قليلة قد تؤدي بالانسان الى الاغماء المفاجئ وبدون مقدمات فمثلا : الجلطة الرئوية, الجلطة القلبية ,الجلطة الهوائية ,توقف نبضات القلب لفترة زمنية تزيد على ثلاث ثواني , جلطة الدماغ او نزيفه . - سابعا : من الاولويات في علاج المريض المشتبه في اصابته بالجلطة الهوائية هو ان يكون وضع رأسه الافقي دون مستوى رجليه بمعني ان ينزل مستوى رأس السرير ويكون على الجانب الايسر لأن هذا الوضع يحجز الجلطة الهوائية في البطين الايمن حتى تصل المساعدة الطبية .وليس هناك علاج معين للجلطة الهوائية غير الدعم المؤقت للدورة الدموية ورفع الضغط والاكسجين في الدم ومما يخفف تأثير الجلطة الهوائية هو الانعاش القلبي الرئوي. - وأخيرا فإنه بالنسبه للحالة اعلاه كان الرد واضحا للمريض وزوجته بأنه ليس هناك جلطة في القلب وفحوصات قلبها كانت سليمة, اما هل هناك خطأ طبي ام لا ؟ فهناك جهة متخصصة في وزارة الصحة هي المخوله لمساعدته في الاجابة على ذلك السؤال وذلك بدراسة الحالة بالتفصيل الدقيق وتسلسل الاحداث في غرفة العمليات من خبراء مختصين في تلك العمليات من ناحية التخدير او الجراحة ثم يعطون قرارهم النهائي في ذلك الموضوع . حماكم الله جميعا من كل مكروه .