٭ أخيراً، وبعد طول انتظار، وترقّب قرر مجلس الشورى استكمال دراساته، ومناقشاته لنظام المرور الجديد، وأن يأخذ وقتاً كافياً يُعينه، ويساعده على أن يظهر النظام الجديد في أحسن صورة، وأن يكون قادراً على - مواجهة التحديات - والمآسي اليومية، وأن يُعيد لأفراد المرور (هيبتهم المفقودة، أو المفتقدة) منذ عشرين عاماً تقريباً حينما دخلنا بأقصى سرعة في تجاوز أنظمة المرور، والاعتداء على آدابه، وتعليماته.. ولم يكن هناك - الرادع - لوقف هذه التجاوزات، والحد من الاعتداء على آداب المرور، وتعليماته فكان هذا الانفلات في قيادة السيارات الذي اسفر عن مآس لا حصر لها، وهي في الخمس سنوات الأخيرة تتصدر الصحف. وقد أشارت «الرياض» إلى أن مجلس الشورى برئاسة الدكتور صالح بن عبدالله حوادث مرورية مفجعة بن حميد شرع في مناقشة مشروع نظام المرور المقدم من لجنة الشؤون الأمنية بالمجلس يوم الأحد (8 مايو 2005) وأن المجلس حريص على أن يكون النظام الجديد مُلبياً لكل الطموحات، ومعالجاً لكل السلبيات، وقادراً على مواجهة (التحديات القاتلة) فوق الأسفلت، وخارجه. وما لفت نظري لخبر «الرياض» هو هذا الحشد الهائل من التوجيهات، والاسترشادات بشأن النظام المروري الجديد من خلال التصريح الذي أدلى به الأمين العام لمجلس الشورى الدكتور صالح بن عبدالله المالك الذي قال :«إن لجنة الشؤون الأمنية في دراستها لهذا المشروع قد بذلت جهوداً كبيرة تمثلت في إعداد دراسة مقارنة بين مشروع النظام، وأنظمة المرور في عدد من الدول الأوروبية والأمريكية مع أخذ آراء المختصين بالأمن العام، والإدارة العامة للمرور» من أجل أن يواكب النظام الجديد أحدث التطورات، والتقنيات. طالت المناقشات، والمهم النتائج الطرق السريعة الأكثر حصاداً للأرواح ومنذ العام الهجري المنصرم (1425) ونحن نقرأ عن مناقشات مجلس الشورى الموقر للنظام المروري الجديد، وقرأنا في آخر العام المنصرم بعض ملامح هذا النظام (الذي هو على وشك الصدور) حتى استقبلنا العام الهجري الجديد (1416) ليتكرر نفس (السيناريو) ونفس الملامح. ويحاول - البعض - أن يسأل: إلى متى يستمر مجلس الشورى في مناقشاته لنظام المرور الجديد (الذي نعلق عليه آمالاً وأحلاماً في الحد من الكوارث المرورية التي تفتك بعباد الله كل دقيقة). وهل يحتاج المجلس لكل هذا الوقت الطويل للمناقشة مُفضّلاً التروي على العجلة حتى إذا صدر النظام الجديد كان (كافياً، شافياً)..! لقد سجّلت حوادث السير في العشر سنوات الماضية (تصاعداً مستمراً) إلى أن بلغت حصيلتها في العام الماضي (6 آلاف قتيل) وعشرة أضعاف هذا الرقم مصابين (نسبة منهم في عداد القتلى).. وللأسف الشديد فإن حملات التوعية، والتوجيه، والتعليم لم تُفلح في - الحد - من الكوارث المرورية التي استمرت في التصاعد، والارتفاع فما هو السبب؟ نظام العقوبات، والتوقيف، استمر في التطبيق لكنه في ظل الأوضاع المرورية المتواضعة، وفي ظل نقص الرقابة المرورية، وفي ظل فقدان الهيبة المرورية، وفي ظل الفوضى المرورية، وعبث، وتهور كثير من قائدي السيارات، وفي ظل غياب (الكفاءات والعقوبات) ارتفعت أرقام الحوادث المرورية ارتفاعاً مخيفاً، ومفزعاً، ومزعجاً، وساهم في ذلك وضع، وحال الشوارع، والطرق، والإشارات، وغياب (الوعي المروري) لدى كثير من سائقي السيارات مما أدى إلى ارتفاع (حجم الكوارث المرورية) لدرجة لم تعد محتملة على الإطلاق، وتحتاج إلى أن تتضافر - كل الجهود - وأن تتوفر - كل الإمكانيات - لصدها، ووضع حلول قوية لمنع مسلسلها اليومي. النظام الجديد بداية العلاج حتى داخل محيط المدن الحوادث المميتة نتيجة المخالفات المرورية ومن هنا يتضح أن أي نظام مروري جديد هدفه الحد من الكوارث اليومية لن يكفي وحده في (اجتثاث) هذه الكارثة ولو على مراحل. صحيح أن سحب الرخصة جزء من العلاج، أو جزء من الدواء. وصحيح أن مصادرة السيارة جزء من العلاج، أو جزء من الدواء. وصحيح أن رفع الغرامات المالية جزء من العلاج، أو جزء من الدواء. لكن يبقى التدريب العالي لرجال المرور جزء أساسي، ورئيسي من العلاج، والدواء، وكذلك الاستعانة بخبراء عالميين في مجال تنظيم حركة السير، ووضع الشوارع، وتشابكها مع الحركة التجارية لتستقيم الأوضاع المرورية بما يضمن (مراقبة، وضبط المخالفين) دون حاجة لمطاردتهم التي تدخل الآن في باب المستحيلات. قبل عشرين عاماً كان البعض منا يُقارن بين مخالفات المواطنين، والمقيمين، ويؤكد أن مخالفات المواطنين في قطع الإشارات، والسرعة الجنونية، والتجاوزات الأخرى مقارنة بالمقيمين هي الأكثر ثم كشفت العشر سنوات الماضية أن نسبة مخالفات المقيمين ارتفعت لتتساوى مع المواطنين، وتتجاوزها أحياناً نظراً لأن معظم السائقين في الشوارع، والبيوت، والمؤسسات هم من غير السعوديين، ثم رأيت بعيني كيف أن النسبة تساوت في الاستهتار، والتهور، والفوضى، والعبث بين الاثنين حيث (اختلط الحابل بالنابل، والنابل بالحابل، والإشارات المرورية، والميادين، والشوارع الفسيحة، والضيقة، والتقاطعات تكشف لكل ذي عين مدى حجم المخالفات التي يرتكبها السادة المواطنون، والسادة المقيمون)..! وتكشف (مدى الرعب) الذي يتسببون فيه عن قصد، وعن عمد في كثير من الأحيان، وعن جهل، وغباء في بعض الأحيان. أما عن قصد، وعن عمد فبسبب عدم التزامهم بابسط قواعد، وأنظمة المرور، وعدم (احترامهم، أو خوفهم) من رجال المرور حتى مع ظهور أفراد المرور أمامهم، وأما عن جهل، وغباء فبسبب انهم لا يدركون نتائج أفعالهم، وحماقاتهم، وتصرفاتهم الطائشة، وغياب (الهيبة المرورية) يجعلهم، ويدفعهم للمزيد من التمادي في هذا العبث، وهذه الفوضى، وهذا التهور بدليل ما نراه من حوادث، وما نسمع عنه من كوارث، وما نقرأه من مآسي على صفحات الصحف كل يوم (حتى ان مجلدات لنشر هذه الحوادث، والكوارث، والمآسي لا تكفي في توثيقها)؟.. النسخة الثانية، والنظام الجديد ونسأل: لماذا لم نبدأ بطرح النظام المروري الجديد مع عودة المرور في (نسخته الثانية).. ونقصد ان المرور يبدأ عمله بنظام جديد خاصة وان (كيل الحوادث قد طفح) وان عودة المرور - في نسخته الثانية - كان الهدف منه هو جعل هذا الكيل ألا يطفح، لكن عودة المرور جاءت لتجعل الكيل يطفح أكثر، وأكثر، وأكثر نتيجة نقص الخبرة، ورعونة السائقين فلم يوفق المرور - في نسخته الثانية - في عمل شيء فاستمرت الحوادث تتصاعد، والمرور مثلنا يكاد يكون متفرجاً عليها..؟ وبعد أن عاد المرور للخدمة - في نسخته الثانية - وبعد تصاعد حوادث السيارات يوماً بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة، بل دقيقة بعد دقيقة، واعداد مشروع نظام المرور الجديد - لانقاذ ما يمكن انقاذه - فقد كان هناك أكثر من رأي بشأن هذا النظام، ومن ضمن هذه الآراء، أو في مقدمتها أن ينشر النظام في الصحف، وان تتاح فرص مناقشته للمهتمين بالشأن المروري، والمتأثرين به، والمتضررين الضحايا المشابهة كثيرة والمتألمين من أوضاعه، وهم لا يقلون حرصاً عن غيرهم من المسؤولين باعتبار ان الجميع معني بالكارثة المرورية، وعليه فإن مجلس الشورى - الجهة التي لديها النظام الجديد - يمكن لها أن تستفيد من الآراء، والأفكار والمقترحات التي تطرح، وتعرض فتأخذ الصالح منها، وهكذا تتفاعل الآراء، والأفكار والمقترحات، وتصب بعد ذلك في قالب واحد ليأتي النظام ملبياً لكل الطموحات، والآمال.. ماذا نفعل لو طال المقام بنظام المرور الجديد داخل مجلس الشورى: هل نستحثه لاقراره، واطلاق سراحه لتبدأ ادارات المرور في تطبيقه..أم نصبر عليه حتى ينضج النظام، وتكتمل فوائده، ومكاسبه ليكون في مستوى الطموحات، والآمال لمواجهة أخطار الكوارث المرورية..أم ننسى النظام من أساسه، ونتجه نحو إدارة المرور لمطالبتها بتطوير أدواتها، ورفع كفاءة أفرادها، وزيادة عددهم لصد هذا الجنون المتواصل من قبل كثير من سائقي السيارات (الذين تزداد أعدادهم، ويزداد جنونهم، وتزداد سياراتهم والمرور لا يملك وضع حد لهم».. إن الطموحات، والآمال، والأحلام في ان يلعب النظام المروري الجديد دوراً في الحد من كوارث السيارات اليومية يدفعنا دفعاً إلى حثّ مجلس الشورى على انجاز النظام الجديد..ورغبتنا في تطوير آليات، وأساليب رجال المرور للوقوف في وجه العابثين، والمتلاعبين، والمستهترين، والفاقدين للوعي يجعلنا باستمرار نطالب (ونصر على المطالبة) بتحديث، وتطوير المرور، وأفراده جميعاً، ودعم اجهزته، وامكاناته، ورجاله دون إبطاء، أو تأخير فكل ساعة نفقد أرواحاً بريئة، ونفقد شيوخاً، ورجالاً، وشباباً يتحولون في لحظة إلى (مقعدين) في بيوتهم، ونخسر ممتلكات - لا يستهان بها - وتمتلئ مستشفياتنا بالمصابين حتى تعجز عن استيعابهم..؟ «المذعورون» يطالبون باعادة الكشف ولا يريد (الخائفون، والمذعورون) من كثرة الحوادث سوى أن (يطمئنوا) إلى المرحلة القادمة من التنظيم الجديد للوائح المرور، وتعليماته، وعقوباته، وغراماته (ما كان منها بسحب الرخصة، أو مصادرة السيارة) بالنسبة للسائقين الطائشين، والمتهورين، والمستهترين، والعابثين، أو (ما كان مرتبطاً بالتدريب العالي، واستقدام خبراء عالميين) يُعيدون لنا ما فقدناه من طمأنينة أثناء قيادتنا لسياراتنا، وأثناء خروجنا للشارع، وأثناء انتقالنا من مكان لآخر، ويعملون (ميدانياً) لتصحيح الاخطاء المرورية (القاتلة) سواء من حيث التخطيط، أو اختناق الشوارع، أو (لعبكة) حركة السير، أو وقوف السيارات بشكل غير نظامي، أو وجود مراكز، وشركات، ومبان سكنية غير ملتزمة بايجاد مواقف لها، أو عمليات استهتار من قبل السائقين في التعدي مع الأرصفة، واتخاذها مكاناً لسياراتهم، أو قفل طرق فرعية بإيقاف سياراتهم القديمة، أو الجديدة وغير ذلك من (المخالفات الصارخة) التي يتحدون بها أبسط قواعد آداب المرور.. ولا يجدون - ونشاً - يسحبها، أو (كلبشة) تضبطها باستثناء مناطق البلد التي تشهد حركة من هذا النوع حتى يضطر هؤلاء المخالفون إلى اللجوء للمواقف الاستثمارية بأسرع وقت (لدرجة تتصور فيها ان عدداً من الدول تشارك بتوفير أوناش على مدار الساعة لهذا الغرض)..! وطبعاً لا أحد يستهين بجهد أفراد المرور في جدة، أو غيرها من المدن، ولا أحد ينتقص من حرصهم، وغيرتهم، ورغبتهم الأكيدة في الحد من كوارث حوادث السيارات على مدار اليوم، والليلة لكنهم جميعاً في حاجة إلى تطوير ادائهم، وإلى رفع كفاءتهم، وإلى استعادة هيبتهم، وفرض احترامهم على كل سائق، وهو احترام لانظمة المرور، والسلامة المرورية ينعكس في البداية، والنهاية لتحقيق الأمان، والطمأنينة للجميع، ويعكس بالتالي مدى (تحضّر) السائقين الذين اقيمت عشرات المدارس لتدريبهم، وتعليمهم، وتأهيلهم، وعشرات محطات الفحص الدوري لتأهيل مركباتهم للسير نظامياً في داخل المدن، وخارجها (لكننا - للاسف - حين نرى، ونقرأ، ونسمع عن هذا العدد الهائل من الحوادث نقول انه لابد من اعادة فحص هؤلاء السائقين، وفوراً، وحين نرى أدخنة المركبات السامة نقول انه لابد من فحص هذه المركبات، وفوراً، ودون تأخير)..؟وإلى ان يصدر نظام المرور الجديد نحتاج ان نتحرك - ميدانياً - لانقاذ ما يمكن انقاذه، وما يمكن انقاذه يتطلب خبراء عالميين، ويتطلب إعادة تخطيط لشوارعنا، وطرقنا، ويتطلب دورات عالية لافراد المرور، ويتطلب (عيناً حمراء).. وأهل المرور أدرى بمشاكله..!!