أتساءل أحيانا حين أتابع أي نقاشات اجتماعية تتناول أي موضوع أنثوي أو اجتماعي للأنثى فيه نصيب، أتساءل ما إذا كانت هذه المرأة مخلوقاً متطفلاً، أو كائناً دخيلاً، أو حالة طارئة مزعجة. فمثلا حين يكون الحديث عن البطالة يقال أن البطالة تكثر بين النساء حاملات الشهادات العليا و بين الرجال من حملة الشهادة ما دون الجامعية، وهذا مؤشر قد يلفت الانتباه، خاصة حين نتحدث عن الخطط الوظيفية عن التوزيع الوظيفي حسب حاجة العمل و المؤهلات، عن فتح مجالات ومساحات أكثر للاستفادة من القدرات وتعزيز المؤهلات والخبرات وغير ذلك من أمور تفرضها الأرقام والحقائق والاحتياجات التنموية والواقع الاقتصادي. لكن حين تطالع التعليقات الاجتماعية حين نتحدث عن فتح مجالات وظيفية للنساء، مثلا تجد البعض ممن يردد "لنحل مشكلة الذكور أولا ثم نفكر بالإناث"، وكأن البطالة مشكلة تتعلق بالجنس وليست هما وطنيا عاما ومع أن الحلول في أمور مثل هذه تكون عامة وشاملة لاتنظر لجنس دون آخر. مثلا حين يكون الحديث عن التعليم عن توسيع مجالاته عن تحديث الأقسام الجامعية عن الاتجاه نحو هذا الجانب التقني أو ذلك الجانب التطبيقي أو النظري، تطالعك بعض التعليقات التي تفكر بالرجل أولا أو التي تصور أن كل هذه الهموم هي هموم ذكورية و تصور أن التعليم أو العمل بالنسبة للمرأة هما إكسسوارات أو كماليات أو مجرد وجاهة اجتماعية. وهذه قد تكون نظرة ضيقة الأفق تفصل بين أفراد المجتمع ولا تراه نسيجا واحدا. فمشكلة البطالة هي مشكلة مجتمع وليست مشكلة جنس دون آخر، حق التعليم هو حق عام للجميع والحقوق لا تمييز فيها بين فرد وآخر. حتى في نقاشاتنا المتكررة التي مررنا بها على هامش الحديث عن المرأة و قيادة السيارة، اتجه بعض المتخوفين من الفكرة للحديث عن الزحام وزيادة عدد السيارات مرددين "إحنا ناقصين زحمة" وكأن المرأة هي مسؤولة عن الزحام. وفي موضوع المرأة والانتخابات البلدية، كانت النقاشات تشعرني - وقد أكون مخطئة- بأن وجود المرأة ككائن مشارك فعال يستدعي استعدادات معينة وتهيئة معينة وكأننا فجأة انتبهنا أن هناك نساء. رغم أن المرأة في مجتمعنا يتم استحضارها بشكل قوي حين نتعاطى مع الآخر، في اللقاءات الاقتصادية والمحافل العلمية والمشاركات الثقافية، وهذا يجعلني أحيانا أعجز- لجهلي أو لقلة معرفتي- عن تفسير نظرتنا كمجتمع للمرأة فنحن نحتفي بها حينا ثم نتردد كمجتمع في التعامل معها حينا آخر. ولو انتقلنا إلى الحديث عن مشاكل نسائية كثيرة تمر بها المرأة في مجتمعنا وتستدعي أن نناقشها في محاولة لإيجاد حلول تحمي كل الأطراف بما فيها الطرف الأضعف؛ مثل مشاكل الظلم في الطلاق، والتجاوزات والتسويف في النفقة، الإخلال بالمسؤولية واستغلالها من قبل بعض أولياء أمور النساء، وأهمية الاستقلال المادي والتبعات الخطيرة لعدم وجود ذلك الاستقلال من تعدٍ على أموال النساء من أقرباء لهم فقدوا الضمير، نجد من يردد أن هذه حالات استثنائية وقليلة لا تستدعي كل هذه النقاشات، رغم أن الأنظمة الاجتماعية والقانونية لا تستحدث حسب الظواهر والإحصائيات الاجتماعية أو الفئوية بل هي توضع لحماية وحفظ الحقوق للجميع بدون استثناءات. البعض في تناول كل شأن نسائي يتعامل مع المرأة وكأنها حالة طارئة مستحدثة، وهذا التفكير حتى وإن كان ليس تفكيرا اجتماعيا عاما، حتى وإن كان يمثل أصواتا فردية إلا أنه يستدعي أن نتوقف عنده لأنه ملفت للنظر ؛ مما يجعلك تتساءل، هل المرأة في نظر هؤلاء هي كائن دخيل على هذا المجتمع؟ هل هي مخلوق متطفل؟ هل هي حالة طارئة، ظاهرة مستحدثة؟ هل هي كائن فضائي هبط فجأة وخلق ضجة؟ نحن في مجتمع يعيش مرحلة حراك فكري و اجتماعي وكي نستمر في خطواتنا نحو التطوير علينا أن ننظر له ونعبر عنه كنسيج واحد ذي هم واحد وذي تطلعات مشتركة.