تستأثر الهند باهتمام أميركي متزايد منذ تسعينيات القرن الماضي، وهي قد بدت شديدة الحضور في الحسابات الجيوستراتيجية الأميركية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. ولم يكن هذا الاهتمام نتاجاً لتحول في الوظيفة الجيوبوليتيكية للهند، بل إفرازاً لتحولات جيوسياسية كونية، أفادت منها الهند، من دون أن تكون طرفاً في صياغتها. وهناك حوار أميركي - هندي، لم يكتمل بعد، بشأن أفغانستان، حيث تخشى نيودلهي من أن يقود الانسحاب الأميركي، ومشروع المصالحة مع طالبان، إلى عودة المسلحين الإسلاميين إلى حدودها. وأكثر ما تخشاه الهند هو العودة إلى ظروف عقد التسعينيات ويثير التقارب الهندي - الأميركي مخاوف كل من الصين وباكستان، فضلاً عن روسيا، التي تخشى أن تفقد موقعها كحليف تقليدي للهند. في المشهد الجديد، بدت ثمة سيولة سياسية وافرة أمام الهند، وبدا هامش المناورة أمامها عريضاً، وشديداً في إغراءاته. وهنا، ذهبت نيودلهي غرباً، نحو واشنطن والعواصم الأوروبية، كما عززت هذا المسار بنسق جديد من الروابط، مع كل من استراليا واليابان. ومن بين الدول الغربية كافة، كانت الولاياتالمتحدة الأكثر سرعة في التقاط جوهر المتغيّر الهندي، أو لنقل متغيّر البيئة الجيوسياسية المحددة لخيارات الهند الدولية. وفي العام الماضي، وعد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بمساندة سعي الهند للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، وذلك خلال زيارة قام بها لنيودلهي برفقة 200 شخصية من كبار رجال الأعمال. ومن ناحيته، كان رئيس الوزراء الهندي، مانموهان سينغ، أول ضيف رسمي تستقبله إدارة أوباما، وذلك في تشرين الثاني / نوفمبر من العام 2009. وأثناء وجوده في واشنطن، وقع سينغ بياناً مشتركاً، تضمن وعداً "بتحسين" التعاون في الملف الأفغاني. وهناك حوار أميركي - هندي، لم يكتمل بعد، بشأن أفغانستان، حيث تخشى نيودلهي من أن يقود الانسحاب الأميركي، ومشروع المصالحة مع طالبان، إلى عودة المسلحين الإسلاميين إلى حدودها. وأكثر ما تخشاه الهند هو العودة إلى ظروف عقد التسعينيات، حين تزامن حكم طالبان مع زيادة كبيرة في هجمات المسلحين عبر حدودها، وشعور هؤلاء بأنهم يستطيعون أن يفعلوا ما يشاءون دون أن يطاولهم العقاب. وتعتبر الهند أكبر مانح إقليمي للمساعدات لأفغانستان، وتُقيم فيها مشاريع قيمتها 1.3 مليار دولار، تتفاوت بين بناء مقر البرلمان ومد طريق سريع إلى دول مجاورة. على صعيد التعاون الدفاعي بين الهند والولاياتالمتحدة، ظهر التوافق بين البلدين من خلال موافقة نيودلهي على شراء أسلحة أميركية متقدمة. ولا يعد اختراق سوق الدفاع الهندي بالأمر اليسير، إذ ارتكز هذا السوق بصورة شبه كاملة، على مدى ستين عاماً، على السلاح السوفياتي ومن بعده الروسي. وعلى الرغم من ذلك، نجحت الولاياتالمتحدة، في السنوات القليلة الماضية، في إيجاد بعض الحضور المهم في هذا السوق. فقد وافقت الهند على شراء أسلحة ومعدات عسكرية أميركية تقدر قيمتها بنحو عشرة مليارات دولار، وذلك في صفقات أبرمت خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وكان قد أعلن في 20 تموز/ يوليو من العام 2009، عن توصل واشنطن ونيودلهي إلى اتفاق دفاعي، مثّل خطوة رئيسية نحو السماح ببيع أسلحة أميركية للقوات الهندية. ويشير الاتفاق إلى ترتيبات مراقبة الاستخدام النهائي التي تتعلق بمشتريات الهند من التكنولوجيا والمعدات الدفاعية الأميركية. وتعرف هذه الاتفاقية باسم اتفاقية "الاستخدام النهائي". وهي مطلوبة بموجب القانون الأميركي لصفقات بيع الأسلحة. وسوف تسمح للولايات المتحدة بالتأكد من أن الهند تستخدم الأسلحة في الهدف المخصص لها، وأنها تمنع تسربها، أو تسرب بعض مكوّناتها، إلى طرف ثالث. وعلى نحو تقليدي، تنظر الهند إلى مشتريات الأسلحة من الدول المختلفة كنوع من العلاقة التجارية، بينما تسعى الولاياتالمتحدة اليوم لشيء من الخصوصية في الشراكة. وإحدى الاتفاقيات المقترحة على نيودلهي اتفاق للدعم اللوجستي، يسمح للجيش الأميركي باستخدام منشآت هندية لعمليات مثل إعادة التزود بالوقود. وكانت الولاياتالمتحدة قد رفعت الحظر الذي فرضته على نيودلهي بعد التجارب النووية الهندية في العام 1998، كما كثفت الدوريات المشتركة مع البحرية الهندية في مضيق ملقا. وأقامت في الوقت ذاته مناورات أرضية مشتركة، ووافقت على بيع حواسيب ذات قوة كبيرة، مهيأة لمساعدة البرنامج الفضائي الهندي. وتملك الهند ثاني أكبر جيش في آسيا بعد الصين. وتتجه نيودلهي لزيادة أسراب قواتها الجوية، من 34 سرباً (612 مقاتلة) إلى 42 سرباً (756 مقاتلة). ويجب أن تتأتى هذه الزيادة من خلال طائرات حديثة بحلول العام 2020. وقد خسرت الهند منذ العام 1990 حوالي 200 مقاتلة من مقاتلات (Mig) السوفياتية الصنع في حوادث مختلفة. وطرحت الهند مناقصة لشراء 120 مقاتلة حديثة متوسطة المدى. ودخلت المناقصة كلّ من شركات بوينغ (بالمقاتلة F/A - 18 Super Hornet) وLokheed Martin (بالمقاتلة F-16) وEADS (بالمقاتلةEurofighter Typhoon ) وشركة ميغ الروسية بالمقاتلة ( Mig – 30)، وشركة "SAAB" السويدية (بالمقاتلة Gripen)، والشركة المنتجة لمقاتلات (Rafale) الفرنسية. وقد أعلن في نيسان/ أبريل الماضي عن فوز الشركتين الأخيرتين بالمناقصة الهندية، التي قدرت قيمتها ب 11 مليار دولار. واستهلكت الهند في الفترة بين 2004 – 2008 ما نسبته 7% من إجمالي الواردات العسكرية العالمية، واحتلت المرتبة الثانية عالمياً بعد الصين، على هذا الصعيد. وبالعودة إلى العلاقات الأميركية - الهندية ذاتها، فقد شهدت هذه العلاقات تطوّراً مع توقيع اتفاق التعاون النووي المدني بين البلدين. ويحدد الاتفاق، الذي استغرق عامين من المفاوضات، الكيفية التي تعمل بواسطتها واشنطن على تبادل التقنية النووية مع نيودلهي، بما في ذلك القضايا الشائكة المتصلة بحقوق معالجة وتخزين الوقود النووي. كما يسعى الاتفاق إلى معالجة المخاوف الباكستانية بخصوص احتمال استغلال الهند للتقنية النووية الأميركية لإنتاج المزيد من القنابل الذرية. علماً بأن الاتفاق يمنع بشكل صريح استخدام التقنية المنقولة إلى الطرف الثاني (أي الهند) لأغراض عسكرية، سواء على صعيد الأبحاث، أو تطوير أسلحة نووية بشكل مباشر. ويتيح الاتفاق للشركات الأميركية الحصول على عقود تصل قيمتها إلى 100 مليار دولار، بحسب تقديرات غرفة التجارة الأميركية. وفي السابع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وقعت الهند معاهدة دولية تحدد المسؤولية في مجال الطاقة النووية المدنية، في خطوة سعت إليها الولاياتالمتحدة بهدف طمأنة مورديها الراغبين في دخول سوق الطاقة النووية الهندي، والذي يبلغ حجمه 150 مليار دولار. وحثت واشنطن نيودلهي على التوقيع على معاهدة التعويضات عن الأضرار النووية لطمأنة مورديها إلى أن المسؤوليات ستكون متفقة مع المعايير الدولية. وتقوم الهند في الوقت الراهن بتشغيل عشرة مفاعلات نووية، ومصنعين لإعادة تشغيل الوقود النووي، ومصنعين لتخصيب اليورانيوم، وثمانية مصانع لإنتاج الماء الثقيل. وطبقاً لتقديرات غربية فإن الهند أنتجت حجماً من البلوتونيوم بقدر ب 800 كيلوغرام، وهو ما يكفي لتصنيع 70 -100 سلاح نووي بقوة 20 كيلو طناً. وما يمكن قوله، على نحو مجمل، هو أن العلاقات الهندية - الأميركية، قفزت خطوات كبيرة إلى الأمام على خلفية مناخ دولي مستجد، أفادت منه كلّ من نيودلهي وواشنطن على حد سواء. ورغم كل ما حققته حتى الآن، فإن هذه العلاقات تواجه تحديات متأتية من النزاع الهندي - الباكستاني، وملف أفغانستان، وطموحات الهند النووية.