يقولون إن الذئب يولد أصمّ لا يسمع شيئا على الإطلاق ، وحين يكبر ويكتمل نموه يكون قادراً على سماع نباح الكلاب على مسافة عشرة أميال.. أشعر أن ثمة ما يجمعنا مع الذئب ، فالمجتمع في بعض شرائحه يتعامل مع المتغيرات بادئ الأمر بأذن صمّاء وكأنه لم يسمع عنها ، وعندما يكثر حولها الجدل ، يتظاهر بأنها لا تعنيه في شيء ، ثم يبدأ بمواجهتها أياً كانت وكأنها رجس من عمل الشيطان بقطع النظر عما إذا كانت كذلك أم لا ، وبعد أن تصبح واقعا بحكم السيرورة الاجتماعية ، وحتمية التغيير التي تقودها آليات التحولات الفكرية والثقافية ، ينتقل فجأة إلى الخانة الأخرى ، وكأنه كان يُطالب بها لينتشها حتى العظم ، ويعب منها لآخر قطرة .. حدث هذا غير مرة ، مع مدارس البنات ، ومع التلفزيون ومع أطباق التقاط البث الفضائي ، ومع جوالات الكاميرا ، ومع ومع ، والحبل لا يزال على الجرار.. الآن تأخذ قضية قيادة المرأة للسيارة نفس الطريق ، ونفس الخطوات ، حتى إن قصة منال الشريف أخذت أكثر مما تستحق من الجدل ، رغم أن هنالك العشرات إن لم يكن المئات من النساء يقدن السيارة في الداخل ، معظمهن في البادية وفي الأرياف ، والحسم لا يزال غائبا وفي طور الصمم ، وإن كانت هذه القضية بالذات قد تجاوزت المدى المألوف والمعتاد للتسليم بها كتحصيل حاصل . لا أعرف لماذا أجد شيئا من التشابه بيننا كمجتمع، وبين الذئب في نمو حاسة السمع عنده ، وقبولنا للمتغيرات ، بين الصمم الكلي في حالة الذئب الوليد ، والرفض الكلي في استجابتنا للمتغير الوليد ، ثم الانتقال إلى السمع الخرافي في حالة الذئب بعد اكتمال النمو ، والنهم المخيف لتقبل المتغير بعد أن يصبح واقعاً في حالتنا ، وربما جاء هذا التشابه بحكم أننا نشترك مع الذئب في بيئة واحدة .. نستمد منها معاً أدبيات التعامل مع المحيط الخارجي ، خاصة وأنه - أي الذئب - الحيوان المفترس الوحيد الذي يحظى بالكثير من التقدير في أدبياتنا الصحراوية ، فهل نحن أمة مستذئبة .. بحيث نستطيع أن نجمع الشتيتين الصمم والسمع الحاد في سياق واحد .. كل ما يفصله عن بعضه مجرد فترة مخاض للتطور البيولوجي له .. والذهني لنا ؟! المرأة ستقود السيارة حتما طال الزمن أو قصر .. مثلما قادت الجمل والبغل والحمار ، وإذا كان هنالك من ذئب نخاف منه عليها ، والذئب لا يفترس السيارات ، فالسائق الآسيوي لا يقوم بدور النار في مواجهة الذئب .. إذا كان هو بالفعل مصدر القلق .. لذلك كان من الأجدى أن نختصر فترة الصمم .. لنختصر بالنتيجة مرحلة النهم ونضعهما في إطارهما الطبيعي .. لنخلص من (سواق المعزبة) ، و(سواق أبو عشرة) و(متعهد نقل المعلمات) و(السواق السباك) و(السواق الدهان) و(السواق السمكرجي) وغيرهم من المناشير من العمالة المنفلتة .. من مستغلي ظروف الناس وهذه الوضعية التائهة..