كان عندي مغلف هام أردت تسليمه شخصياً إلى قريب. وبما أن منزله لا يبعد كثيرا فقد قررت أن أسلمه له بيدي . ضغطت زر الجرس ففتحت الباب خادمة ، وسألتها هل فلان موجود ( كي أتأكد من كونه في الرياض وليس مسافرا ) وعندما أجابت بالإيجاب سلمتها الظرف وطلبتُ منها أن تسلمهُ إليه . فقالت : بالعربية : أنت سوّاق مين ؟ . فأشرت لها إلى الاسم في أعلى الجهة اليسرى من المظروف وانصرفت . من هذه ومثلها يتضح لنا أن السائق يُكلف بنقل مهام وليس فقط بني آدم . مثل هذه أو قريب منها دق بابي رجل وسلّم لي ثلاث دعوات زواج ، قائلا : أنا سواق أبو (.... ) ، ولما قرأت الاسم على المظروف وجدتُ أنه لا يخصني ، كما أن أبو ( ... ) لم يكن معروفا لديّ . ومن المعاجم أجد أن مفردة السائق لم تأت على لسان العرب إلا لتعني السوق ، والسوق والسَّوق: معروف. ساقَ الإبلَ وغيرَها يَسُوقها سَوْقاً وسِياقاً، وهو سائقٌ وسَوَّاق، شدِّد للمبالغة؛ وقوله تعالى: وجاءت كلُّ نَفْسٍ معها سائقٌ وشَهِيد؛ قيل في التفسير: سائقٌ يَسُوقها إلى محشرها، وشَهِيد يشهد عليها بعملها، وقيل: الشهيد هو عملها نفسه، وأَساقَها واسْتاقَها فانْساقت . والطباخ في كل أنحاء الوطن العربي اسمهُ طباخ ، وكذا كثير من الحرف . إلا أن السائق في كل قطر عربي له اسم يختلف عن البلد الآخر . ففي أقطار الشام يسمونه « شوفير « وجاءت من الفرنسية . وفى الخليج « دريول « – بكسر الواو ، وجاءت من الإنجليزية ( درا يفر ) وفي العراق سائق . وهذا يدل على أننا نفرط في تدليله . وسمعتُ أنه في بعض الأقطار العربية واسطة قوية في أمور صغيرة إلى متوسطة . وثمة حكايات قالت إن سائقا تسلق إلى مراتب أعلى . والسائق ممدوح ومحبب في مختلف أزمنتنا في الجزيرة العربية . قال شاعر شعبي يصف رحلتهم من الشام : من بلاد الشام جينا بالمكينة + فوق ( هدسون ) ما تخثّع بالطمانِِِِ. « الشوفير « من المدارس ناحتينه + أرمنيّ يجدعه جدع الحصانِ . قذلة الطربوش ناسفها يمينه + وان ضواه الليل شب الكهربانِ . وهدسون ماركة تجارية من أنواع السيارات . وأرجو أن لا يعتبرها الزملاء في قسم الإعلان دعاية أُحاسب عليها . وأطلقت النساء قديما العنان لتدليل سائق اللوري عند ذهابهن للحج قديما . فكل امرأة كانت – في العادة – تحمل صرة تصاحبها، فيها كليجا وبيض مسلوق أو فصفص أوحمّص . لأن المسافة بين أواسط نجد ومكة المكرمة تأخذ سبعة أيام أو أكثر . فكن يرسلن للسائق ومعاونه شيئا مما يحملن طلبا في إرضائه الدائم وسعة صدره. إذا؛ تدليل السائق ليس جديداً!.