لازال صوته الجهوري النجدي المدوي الرجولي محفور بالذاكرة لن يغادرابدا،كنا نستمع الى برنامجه الشهير عبر إذاعة الرياض (من القائل) ويجذبنا صوته المفعم بخفايا التراث وموسوعة الفكر، حيث يشّدك كلامه الممشوق بعبق التاريخ وتراث الوطن وهو يفسر لك تلك الكلمات ويوضح المعاني والمفردات بحصافته المعهودة والتقاطه الفكرة الذكية لما يمتلكه من ثقافة واسعة مربوطة بعبق الماضي وأصالة التراث والانتماء للوطن وجغرافيته الممترامية، واستطاع ان يقيم علاقة وطيدة بين الاذاعة والمستمع وبين الماضي والحاضر بطريقة تثير إعجاب المستمع وتجتذبه ويتفاعل معها مما اتاح لنفسه ان يأخذ مساحة كبيرة من المعجبين ببرنامجه من جميع الفئات العمرية الذين يترقبون ويتعطشون لتدفق برنامجه الشهيرالشيق داخل وخارج المملكة وكنا نزحف الى المذياع ونتزاحم مع كبار السن ننتظر هذا البرنامج بشغف وتبصر. عبدالله بن خميس مؤسس الصحافة السعودية وأهم أعمدتها الكبار وقاماتها بالمملكة ومن شعرائها المبدعين القلائل الذي تسلح بحب الوطن وتشبث بخفايا جذور الموروث الشعبي الضارب بالأصالة، فهو احد منارات الفكر والثقافة والأدب السعودي بامتياز. حين يرحل الأديب الكبير عبدالله بن خميس تنطوي معه صفحات كبيرة تحكي قصة بطولات الآباء والأجداد التاريخية في الجزيرة العربية وتصادمها على ذروة السنام وتفاخرها بالمجد ، حين يغيب هذا الرجل تختفي حكايات تراثية خالدة يختزلها عبر تاريخه الطويل الذي أتعبه معرفتها، وارتحل حاملا الماضي حقيبة سفر حيث كان نابضا بالماضي وعاشقا للتراث ومتطلعا للمستقبل بحذر وتأنِ لانه أثرى منظومتنا الادبية وهو موسوعة ثقافية وإعلامية ورائد للثقافة الحديثة، أرخ وكتب وألف العديد من الدراسات والبحوث والكتب و مئات الروايات التي تنسج تاريخ وتراث وحضارة المملكة ، وواكب النهضة الثقافية منذ بداياتها ووثقها بقلمه وصوته وبرع بأكبر توثيق وبأدق التفاصيل ، ورحيله يعد خسارة كبيرة لاتعوض إلا من استطاع ان يملأ فراغه، وسوف يبقى صنيع عمله الأدبي خالدا بالذاكرة لماكان يتمتع به هذا الرجل من مصداقية وعفة وعقلانية وواقعية وتواضع جم وحب الناس وعدم مخاصمتهم، وحين يغيب عبدالله بن خميس تفقد الصحافة درتها لأنه قلم مهم وفكر نير لاينسى وعلامة لايهمل وذاكرة لاتغيب، لقد أرخ مشاهد وشواهد حية لاتزول ولاتترك سدى لأهمية مكانتها الثقافية والتاريخية والتراثية والأدبية ، وماتركه من آثار أدبية يعتبر أنبل تكريم لمسيرته الظافرة بالعطاء والتميز، فهو ضوء لايخبو بريقة لان الأشجار تموت واقفة، وإذا رحل عبدالله بن خميس فهو نجم هوى فاحتضنته الأرض الذي أحبها وعشقها وخدمها واوفى لها فكان مشروعا أدبيا وثقافيا واسعا وكبيرا ، وجند كل إمكانياته الفطرية والعقلية والذهنية والمعرفية لصون التراث وتوثيقه والحفاظ عليه من الانقراض، ونجح فيما هو مطلوب منه واكثر لتخليد التراث في المملكة فهو مدرسة في العطاء ومنهج كبير في الابداع وعملاق في التدفق التراثي والموروث الشعبي الأصيل ، لازلت أتذكره منذ الصغر وكأنه بالأمس يقول من القائل.. ويجبنا على ذلك بالسؤال الشافي الكافي المحبب للنفس والمقنع للعقل والمرضي للجميع،انه عملاق في رصد المعلومات وضالع في المعرفة والفكر ودقيق في الوصف وشامل في البحث عن الحقيقية وتحريها،فلتبكِ كل الأقلام السعودية التي أتت من بعده لهذا القلم المؤثر والعملاق الشامخ الكبيرالذي نمتن له ونقدر عطاءه المفعم بالسخاء والريادة والإبداع والتفرد بالعطاء اللامحدود، فكان يحمل فكرا نظيفا وعقلا راجحا وذاكرة قوية و نظيفة تعلم الكثيرون منها الأدب والثقافة والشعر والالقاء فهو مسيرة عطرة طويلة حافلة بالإنجازات ، ولكن الكبار لايموتون ولكنهم يرحلون وتبقى أعمالهم وإنجازاتهم خالدة وحاضرة تخلدهم وتشهد عطائهم ،لقد فقدت الصحافة اهم أسمائها وعشاقها ، فهو علامة رمز من رموز الطريق الصعب الذي لايستطيع أن يسلكة إلا واحد بحجم وبكبر قامته ،فهو وهج وشمعة لاتنطفئ و صاحب التعددية في المواهب والتدفق في العطاء الثقافي والفكري الذي أثرى المكتبة السعودية من الأدب والثقافة والتراث، فهو فارس كلمة بحق،وهي أكبر جائزة ينالها الراحل الكبير. رحم الله فقد الوطن العلامة عبدالله بن خميس واسكنه فسيح جنانه.. *مدير مكتب "الرياض" الاقليمي في دبي