تنفرد العلاقات السعودية- المصرية بأنها علاقات متميزة وضاربة في جذور التاريخ، نظرا إلى المكانة والقدرات الكبيرة التي يتمتع بها البلدان على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية، إضافة إلى الوشائج والروابط المتينة بين شعبي البلدين عبر مئات السنين، وقد دعم من تلك الحالة الخاصة التطابق الكامل بين الرياضوالقاهرة في الوجهات والرؤى السياسية حيال العديد من القضايا الدولية والعربية والإسلامية، خاصة النزاع الفلسطيني -الإسرائيلي. لذا كان منطقيا وطبيعيا أن تبادر المملكة –ضاربة في ذلك المثل والقدوة- بدعم مصر ومساندتها والوقوف إلى جانبها لتتجاوز أزمتها الحالية، عندما قدم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أربعة مليارات دولار على شكل قروض ميسرة وودائع ومنح من حكومة وشعب المملكة للإسهام في دعم اقتصاد مصر، وهو الأمر الذي دفع بالمشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري للقوات المسلحة بجمهورية مصر العربية إلى الإعراب عن شكره وتقديره لهذا الدعم السخي الذي يترجم عمق العلاقات التاريخية ويعكس روح المودة والأخوة بين البلدين الشقيقين. والحقيقة ان مصر منذ انطلاق ثورة يناير الماضي وهي تعيش أزمة اقتصادية، وقد أعرب مسؤولون مصريون في أكثر من مناسبة عن حاجاتهم الماسة للدعم والمساندة الفعلية من البلدان الشقيقة والصديقة للتغلب على هذه الأزمة التي تؤثر بشكل مباشر في اقتصادها، ومن ثم جاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله- لتؤكد بما لا يدع مجالا للشك كيف أن المملكة حكومة وشعبا تؤدي دورها العربي والإسلامي والدولي بعيدا عن التصريحات أو الأقوال وإنما من خلال أفعال حقيقية تترجم على ارض الواقع. والمملكة وهي تقدم هذا الدعم للشقيقة الكبرى مصر، إنما تبغي من ذلك مساندة الاقتصاد المصري ليقف على قدميه ويتعافى بعض الشيء، وذلك بعيدا عن المنّ أو التفاخر، لأن الرياض ترى في ذلك جزءا رئيسا من سياستها مع شقيقاتها العربيات بل وبقية دول العالم، فما من كارثة تحل في بلد من بلدان العالم إلا وتبادر بإرسال المعونات الإنسانية الماسة، بل وترسل بطواقم طبية وإدارية مدربة ومهيأة للتعامل مع توابع هذه الكوارث، وهو الأمر الذي يلقى استحسان وشكر وتقدير تلك الدول، بل والمجتمع الدولي بجميع أطيافه، ومن ثم غدت المملكة من خلال هذه السياسات الإنسانية وغيرها لها مكانتها في جميع المحافل الدولية ومضرب المثل في كيف تكون العلاقات والدبلوماسية الخارجية. وبالنسبة إلى مصر والدعم السعودي، فإني أستطيع القول إن دعم المملكة للشقيقة الكبرى لم ينقطع أبدا، بل هو في تزايد مستمر، لأن الرياض تدرك بعينها الثاقبة الخبيرة أن القاهرة تعاني منذ فترة من أزمات اقتصادية وأن السبيل الوحيد للتخفيف من وطأة هذه الأزمات هو الدعم المباشر لإنهاض الاقتصاد المصري المتعثر، ووجهة النظر هذه يتبناها رجال المال والأعمال السعوديون الذين يبادرون إلى الاستثمار في مصر والإسهام في دوران عجلة اقتصادها، فالاستثمارات السعودية في مصر تتجاوز 10.3 مليارات دولار وتتركز في القطاعات الخدمية والتي تضم خدمات النقل واللوجيستيات، والصحة، والتعليم، يليها الاستثمار الصناعي ثم قطاع الإنشاءات والاستثمار الزراعي، والصناعات الغذائية، والسياحة ، كما يتجاوز التبادل التجاري أربعة مليارات دولار، وتعتبر المملكة أكبر شركاء مصر من الدول العربية، كما يستثمر رجال الأعمال السعوديون ما يتجاوز 8% من قيمة سوق الأسهم المصرية. كما تحتل المملكة المرتبة الأولى كأكبر شريك تجاري عربي بالنسبة لمصر، حيث يبلغ إجمالي عدد الشركات السعودية المسجلة في مصر أكثر من 2355 شركة، وينفق السعوديون نحو 500 مليون دولار سنويا من خلال الوفود السياحية لمصر، حيث تأتي في المرتبة الثانية عربيا من حيث التدفق السياحي العربي. وقد حملت الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء المصري د. عصام شرف إلى المملكة تطمينات عدة إلى المستثمرين السعوديين من الحرص والحفاظ على الاستثمارات السعودية من الاعتداءات أو المساس بها قانونيا، خاصة مع حاجة المستثمرين لمزيد من الثقة بعد الأحداث الأخيرة وعدم انسحابها من مصر، وضرورة دفع وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، والتأكيد على أن المستثمرين السعوديين لا يزالون يحملون الكثير من الثقة بالاقتصاد المصري وقدرته على تجاوز الأحداث الأخيرة. وجاءت هذه التطمينات المصرية بعدم المساس أو الإضرار باستثماراتهم، ومنحهم تأكيدات باستمرارها دون تعرضها لأضرار تستوجب انسحابها من السوق المصري. لقد برهنت المملكة على أنها دولة محورية ومفصلية عربيا ودوليا من خلال موقفها في دعم الاقتصاد المصري، وأكدت أن الدول الكبرى هي التي تترجم أقوالها إلى أفعال ملموسة وواقعية بعيدا عن الضجيج الإعلامي. إننا نأمل ونتمنى لمصر التعافي السريع من أزمتها وأن تعود سريعا دولة مستقرة سياسيا واقتصاديا وأن تؤدي دورها المنشود إقليميا ودوليا لأن في ذلك دعما للقضايا العربية ومؤازرة للحق العربي. شكرا لخادم الحرمين الشريفين على مواقفه النبيلة والإنسانية التي لا ينساها التاريخ، بل وسيسجلها بمداد من ذهب لتكون معلماً لكيفية التخفيف من وقع الشدائد، ولتحكي للبشرية أن الشعب السعودي نموذج في العطاء والبذل والتضحية من أجل الآخرين. *رئيس مجموعة الحكير للسياحة والتنمية [email protected]