عندما نتكلم عن الثقافة فنحن نقدم التعريف المتداول وهي: الكم المتراكم من اللغة والدين والعلم والحياة اليومية والفنون ، فثقافة الشعوب تقاس بالتقدم العلمي والعملي والفني ، بتطور اللغة وجمالها ، الحس الموسيقي للحرف ، هذا الحرف الذي يعانق بعضه ليكوّن الكلمة الجميلة ، فيكون شعراً ومن ثم أغنية ذات نغم جميل وأنيق ، وهو يعزف عبر اللحن بحنجرة عرفت كيف تقدم الحرف ملحونا .. ينطلق من الروح للروح . الأغنية منذ القدم هي وسيلة تعبيرية ، الأمهات عرفن بالسليقة ومنذ بدايات التاريخ أن الأطفال يفرحون للنغم ، يستسلمون له ، يضحكون فرحين مع الترقيص ، أو تداعب عيونهم غزالات الأحلام من خلال الأغاني الرقيقة الجميلة ، للطفولة .. يكبر الطفل وقد كوّن الحس الفني لديه والذائقة الموسيقية ، وهو يحضن هذا الفن ليتواتر ويتدور ويتطور . في الذاكرة الشعبية كمّ من الأغاني القديمة ، تلك التي صدح بها كبار المغنين العرب ، ومن ثم وصل بعضها لنا ، أو شدت حناجر بالشعر الجميل ، ولعلنا لاننسى ناظم الغزالي وهو يقدم أغاني من شعر قديم ، مثل : أقول وقد ناحت بقربي حمامة أيا جارتا لو تعلمين بحالي للشاعر أبي فراس الحمداني . الأغنية في حياة الشعوب هي التي تحفظ روح الفن وخاصة الشعبي منها فهي تصل لجمهور كبير وعريض . ومما يُذكر للشاعر نزار قباني أنه لم يكن راغبا بأن تغنى أشعاره لكن بعد أغنية (أيظن) غير رأيه ، حيث رددها الشباب ، تلك الأغنية غناها كل من نجاة الصغيرة ومحمد عبدالوهاب وسببت بعض التهكم على (محمد عبد الوهاب) بسبب : (حتى فساتيني التي أهملتها فرحت به رقصت على قدميه) بعد ذلك شدا الكثير من المطربين بقصائد قباني . (النهر الخالد) أغنية عبدالوهاب للنيل ، تلك رائعة محمود حسن إسماعيل (مسافر زاده الخيال .. والسحر والعطر والظلال .. ظمآن والكأس فى يديه .. والحب .. والفن .. والجمال ..). نسير مع النيل بجماله ورقة سيره الهوينا ، وعشق التربة له .. الأغنية عندما تتدهور تتأثر الثقافة عموما والذوق العام ، وكلما مضى جيل مضى معه جمال الكلمات وحسن الموسيقى والأداء هذا الذي يجعل الحاجة ماسة للبحث عن الكلمات الرقيقة الجميلة كي يشدو بها الشباب ، وتنتقل من مكان لآخر .. لابد من ذكر أغاني مارسيل خليفة ، وقبله وديع الصافي وصوته الجبلي الذي يهز المشاعر ، وتلك الكلمات المنتقاة بعناية تامة . أم كلثوم وأغنيتها(غدا ألقاك) توشي الأيام بالبهجة ، هذه البهجة التي ترسم فرحا على وجوهنا ونحن نسرح مع الجمال .. الشاعرالسوداني المهدي آدم عرف كيف تنطلق كلماته حرة نقية كمهرة برية ، عزف عزفا على سلم الروح ، روح الكلمة : (هذه الدنيا كتاب أنت فيه الفكر هذه الدنيا ليال أنت فيها العمر هذه الدنيا عيون أنت فيه البصر هذه الدنيا سماء أنت فيها القمر) وأختم مقالي ، بفيروز فهي تسبح بنا في ملكوت خاص ، جلّ من مزج روعة الصوت وألهم الشعراء ، فكان اللحن الملائكي . أناقة الحرف ورقيه . (أمس انتهينا فلا كنا ولا كانا..... يا صاحبَ الوعد خلّ الوعد نسيانا طاف النعاس على ماضيك وارتحلت حدائق العمر بُكيا.. فاهدأ الآنا كان الوداع ابتساماتٍ مبللة بالدمع حيناً وبالتذكار أحيانا). هي الأغنية التي تؤثر تأثيرا كبيرا في الثقافة الشعبية ..