منذ بدأ ابني حسام يتعلم المشي - قبل أحد عشر عاما- أدركت صعوبة تربية الأبناء من خلال الكلام المباشر وتوجيه الأوامر .. وحين أتى بعده ابني فيصل تأكدت من أن تكرار التوجيهات والأوامر المباشرة يفرغها من معناها ويحولها إلى سلطة جائرة في نظر الأطفال.. لهذا السبب أصبحت أعتمد على أسلوبين غير مباشرين في تربيتهما ؛ الأول (تأثير القدوة) والثاني (تعليق ورقة مختصرة توحي بالمطلوب).. فالأطفال - كما يؤكد خبراء التربية الحديثة - يتعلمون بشكل أفضل من خلال الاقتداء بالوالدين وتقليدهم بطريقة لاواعية .. لهذا السبب أحاول أن أبدو - على الأقل أمامهما - قدوة تستحق التقليد ، وأفهمهما في نفس الوقت أنني لست أفضل من يقتدون به... ولأن تأثير القدوة مفهوم بالنسبة لكم سأستثنيه من مقال اليوم وأقفز بكم مباشرة إلى الطريقة الثانية (التي آمل أن تفعلوا مثلها في غرف أبنائكم).. وهذه الطريقة اكتشفتها بالصدفة أثناء كتابتي لحكمة جميلة (بعثتها للمشتركين في خدمة جوال حول العالم) تمنيت لو أُطلع عليها أبنائي.. وهكذا عمدت إلى نسخها وطبعها على ورقة A4 كاملة ثم علقتها في غرفة الأطفال .. كانت حكمة مختصرة تقول: "ليس المهم أن تسبق الآخرين ، بل أن تركض في الاتجاه الصحيح" .. وحين حضر أطفالي من المدرسة تفاجأوا بوجودها وسألوني عنها فبدأت أشرح لهم معناها وكيف أن العمل والاجتهاد بلا هدف يشبه متسابقا يجري بعكس المضمار - أو لنقل كالتي نقضت غزلها من بعد قوة.. ولأنهم تلقوها بشكل غير مباشر - ودون أمر أو توجيه - كان تأثيرها إيجابيا وفاتحة للحديث في مواضيع أخرى كثيرة!!! ومن الحكم الأخرى التي علقتها في غرفهم (ولاحظ أنها موجهة لأطفال لم يتجاوزوا الثالثة عشرة) مايلي: - جميعنا يولد سواسية كأسنان المشط، ولكن كلما قرأتَ أكثر ارتفعتَ عن غيرك أكثر.. - ينقسم الناس الى نوعين : بائعين ومشترين/ منتجين ومستهلكين/ كن من النوع الأول تصبح ثرياً. - يوجد الآن في أمريكا 2650 طفلًا جمعوا أكثر من مليون دولار بفضل مهاراتهم في البرمجة. - لا يهم رأي الناس فيك طالما تقوم بالعمل الصحيح... - الإساءة للآخرين تعني أنك تصرف طاقتك في غير محلها. - حين يحرجك أحد بسؤال أجبه بسؤال مضاد "ولماذا تسألني"؟ - يمكنك الاختلاف مع الناس، ولكن لايجب أن ينتهي اختلافك بعنف أو قطيعة. - لاتخشَ التجربة فكثيرا مايكون النجاح زلة في الاتجاه الخاطئ.. - ثلاثة تكسبك حبّ الناس واحترامهم: (الشكر) عند العطاء (والاعتذار) عند الخطأ (وتحيتهم) بابتسامة لطيفة... ... وخلال عامين من هذه الممارسة أصبحتُ أملك مجلدا إليكترونيا يتضمن العديد من الأقوال والحكم التربوية المماثلة.. مشكلتي الوحيدة أنني (أشطح) أحيانا وأؤلف حكماً "دسمة" لا تناسب أعمارهم الصغيرة.. وحين تكررت معي هذه المشكلة عمدت إلى فصل المجلد إلى قسمين (الأول) ماتم تعليقه فعلا (والقسم الثاني) ما أنوي تعليقه مستقبلا أو حتى إرساله لهم بالإيميل أو الجوال حين يكبرون ويتركون المنزل!! ... ومايهمك أنت فعلا هو اقتباس هذه الفكرة وتنفيذها مع أبنائك بواقع ورقة كل أسبوع (وصدقني، لا يمكن لأحد تجاهل ورقة تعلق في غرفته).. ويمكنك فعل هذا بوضعها في حافظة بلاستيكية معلقة أو إطار زجاجي مفتوح أو حتى مسمار تضربه بالجدار.. ويكمن جمال الفكرة في ابتعادها عن أسلوب التوجيه المباشر والأوامر الموتّرة للطرفين، وتقديم رسالة الوالدين بطريقة لطيفة تعلق بالذهن لفترة طويلة (كون المكتوب أقوى من المسموع، ومانراه طوال الاسبوع نتذكره أكثر من كلمة نسمعها بلحظة غضب)!! ... ولأنني شخصيا مازلت أملك رصيدا كبيرا من رسائل المستقبل (ضمن القسم الثاني الذي لا يناسب سن أطفالي الآن) أرغب مشاركتك بها في المقال التالي - ولكن بشرط واحد بسيط: تخبرنا في النهاية بواحدة من تأليفك...