ثقافة الإجازة غائبة عنا، فنحن لا نعرف متى نعمل، ومتى نستريح، ونظام الحياة لدينا لا يعترف بمثل هذه الأمور، على العكس من سكان الدول المتقدمة الذين ينظمون حياتهم وأوقاتهم ويرتبون لإجازتهم قبل وقتها بكثير؛ لأنهم يعتبرون هذه الإجازة السنوية واجباً مفروضاً عليهم كما يعتبرونها جزءًاً من نظام العمل. الموظف «ضياء النهدي» يرفض قضاء الإجازة بعيداً عن محيط عمله فهو يجد متعته وهو منهمك في إعداد التقارير والبحوث، ويتجنب محاولات الأصدقاء للسفر أو الخروج في الأماكن العامة، وإذا اضطر لذلك فإنه يأخذ جهاز اللاب توب ويظل منهمكاً في عمله بينما أصدقاؤه يستمتعون بوقتهم بعيداً عنه. فيما يرجع الأستاذ «طارق الغامدي» سبب غياب التخطيط للإجازة للثقافة؛ التي نشأ عليه المجتمع بمختلف طبقاته، فالإجازة مرتبطة لدى البعض بحجم المصروفات التي تصرف على النزهة في الأماكن العامة أو لربما بسبب غياب أماكن الترفيه والتي وإن وجدت فإن مصروفاتها باهظة. ويرى الاستاذ «غسان الحربي» أنّ الإجازة وبرغم أهميتها إلا أنها تجعله مرتبطاً ببرنامج الأسرة في النزهات، مما يجعل الإجازة تخرج عن هدف الترفيه إلى جو الالتزام؛ ربما لأنّ الأطفال يحبون التسوق والذهاب إلى الأماكن العامة كالملاهي والمولات، وهو يشعر بالإزعاج من الازدحام وأصوات الناس، ولذلك يفضل الجلوس بين أكوام الملفات وتأجيل الإجازة حتى إشعار آخر. من جانبها أكدت الأخصائية الاجتماعية «هيفاء سلامة» أنه لابد أن تكون الإجازة جزءاً لا يتجزأ من حياتنا، فهي مصدر لشحن الطاقة عند الإنسان للعودة إلى العمل بحماس وجهد أفضل، فمثلما يحتاج الإنسان إلى النوم ليواصل يومه كذلك هي الإجازة ولكن السؤال هنا كيف تكون هذه الإجازة؟ وأضافت في مجتمعاتنا يذهب البعض إلى أنّ الإجازة هي السفر ولو لأيام معدودة فقط لتغيير المكان، وقد يكون فيها جهد جسدي أكبر من الأيام العادية؛ بسبب السفر والتنقل ولا راحة فيها بالإضافة إلى المصاريف المادية في الوقت الذي يرى فيه البعض أنّ الإجازة لا فائدة فيها ولا أهمية لها ويجدون أنفسهم أكثر في مواصلة العمل دون انقطاع يذكر. ونبهت إلى أنّ مخ الإنسان يحتاج إلى التوقف عن التفكير لشحن الطاقة عن طريق التأمل والاسترخاء، كما وانّ العمل المغاير للعمل الذي اعتاده المخ في التفكير هو من شأنه أيضا أن يشحن طاقة الإنسان، إذ إنّ الإجازة التي تنطوي على تغيير العمل الروتيني المعتاد هو ما اقصده هنا بعيداً جداً عن وقت فراغ طويل وممل دون عمل أي شيء والنوم زيادة عن اللازم. وأضافت «هيفاء» إلى أنّ الموظف المكتبي الذي يقضي ساعات طوالاً بين الحاسب الآلي والأوراق والتدقيق والكتابة يحتاج إلى إجازة يمارس فيها عملاً يستدعي مجهودا عضليا ويدويا كالزراعة مثلاً بعيداً تماماً عن المجهود الذهني، لو استطعت أن اعرف الإجازة ذات المردود الايجابي على الإنسان فهي العمل أيضاً وليس الراحة والنوم، ولكن عمل مغاير تماما عن العمل الروتيني الذي يمارسه الإنسان طوال العام أو بمعنى آخر ممارسة هواية محببة للنفس والتعمق فيها واتخاذها كمشروع. وأشارت إلى دور المراكز الصيفية التي تساعد الأطفال والشباب على ممارسة هواياتهم التي تعتبر من انجح المشاريع للإجازات الصيفية المفيدة والممتعة في نفس الوقت وتحتاج في مجتمعنا إلى الإكثار منها وتطويرها وفتح مجالات متعددة ومتنوعة فيها، مضيفةً أنّ السفر والاضطلاع على الثقافات الأخرى في حد ذاته متعة، ولكن لو أخذناه من مبدأ الوسيلة للمتعة والراحة والتطوير من أنفسنا وليس غاية وهدفا لابد من الحصول عليه وإلا أصبحت الإجازة بلا إجازة.