بعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، اتجهت الأنظار نحو "القاعدة في اليمن" -على اعتبارها المقر الأخطر- لقيادة عمليات الانتقام في الغرب؛ أو على الأقل في محيط المصالح الأمريكية في الخليج. والقاعدة في اليمن تتمتع بمساحةٍ كبيرة من الحرية في الحركة بفعل الثورة النشطة في أطراف اليمن، وبسبب التأهيل الجغرافي الذي تتمتع به القاعدة هناك، تلك العوامل تحفّز على تشديد الحذر الغربي بالعموم والأميركي على نحوٍ خاص من انتفاضة جديدة تقوم بها القاعدة ضد مصالحها؛ غير أن التخبط الذي يعاني منه التنظيم يشرحه قيام طالبان بمهمة الانتقام من مقتل أسامة بن لادن من خلال تفجير أكاديمية لقوات الامن في شمال غرب باكستان يوم الجمعة 13 مايو والذي استهدف أكثر من سبعة وثمانين شخصاً من المتدربين في تلك الأكاديمية، وهو تفجير تبنّته كلياً حركة طالبان! لكن هذا الهجوم - على الرغم من رمزيته العملية التي يحملها التفجير على اعتبارها في آخر المطاف "الانتقام الشرس" على مقتل ابن لادن - لا يوازي التهديد الذي أطلقتْه القاعدة في اليمن، وإذا رجعنا إلى بيان زعيم قاعدة اليمن "ناصر الوحيشي" سنقرأ في نصه الآتي:" قتل الأميركيون شيخنا، فهل قتلوا دين الشيخ ومنهج الشيخ ودعوته والروح المعنوية القتالية في الأمة التي أحياها؟ ليعلموا أن جذوة الجهاد توقدت أكثر، وباتت أعظم مما كانت عليه في حياة الشيخ لا تصوروا المعركة سطحية، وتوهموا الجميع بأن قتل أسامة سيُنهي الأمر. الآتي أدهى وأمرّ وما ينتظركم أشد وأضر، وعندئذ تعضون على الأصابع ندماً، وتترحمون على أيام الشيخ"! من خلال قراءة مضمونية للبيان وفق السلوك الذي تتخذه القاعدة بوصفها التنظيم الأشد شراسةً من بين التنظيمات الأصولية، يمكننا اعتباره بياناً لا يتماهى مع معنى الهجوم الحاصل في باكستان والذي لم يستهدف "معنوياً" أولئك الذين قتلوا أسامة بن لادن. أعتبر أن واحدةً من الأفكار الجديدة التي دخلت في سياق "أيديولوجيا التنظيم" فكرة "الانتقام من مقتل ابن لادن" سيكون هذا الهمّ مسيطراً - ولو لفترة - على الرسائل التي تتخذها القاعدة من خلال عملياتها المطلقة في أي مكانٍ تكون فيه للولايات المتحدة مصالح حقيقية، غير أن الخبرة التي أخذتها أميركا عن التنظيم تؤهلها لأن تكون مستعدةً تنظيمياً وأمنياً لصدّ أي تهديدٍ محتمل من قبل التنظيم، تلك الفكرة الجديدة المستحدثة في خطاب التنظيم قد نسمعها كثيراً في البيانات التي ستصدر، وربما سعت القاعدة بكل ما أوتيت من قوة ومساحةٍ في اليمن لأن تنطلق جادةً لتنفيذ الانتقام من الضربة الأميركية التي لم تستهدف فقط الرأس الأول في القاعدة، بل رسمت ثغرة في "نرجسية التنظيم"! السؤال: هل القاعدة قادرة على التغذي استراتيجياً واجتماعياً على حدث حمل رمزية معنوية عالية مثل مقتل ابن لادن؟! أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة نايميخن، رئيس القسم العربي بمعهد كلينندال للعلاقات الدولية، الهولندي رويل ماير، قال:"إن الترويج لمخاوف حدوث موجة من العمليات الإرهابية في العالم خاصة في الغرب، كرد فعل على مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن، أمر غير حقيقي حاليا على الأقل وعلى المدى المنظور". بمعنىً آخر؛ فإن الانتقام الضخم الذي يروّج له بأن حدثاً عالمياً سيكون بمستوى حدث 11 سبتمبر ستنفذه القاعدة "انتقاماً" ليس سوى حلُم لدى أنصارها، ذلك أن الهجوم الذي نفّذ في 2001 أتى قبل أن تتخذ أغلبية دول العالم إجراءات حقيقية خاصةً بمواجهة تنظيم القاعدة، لهذا فالقاعدة اليوم تعيش حصاراً أمنياً واستخباراتياً لم تشهد له مثيلاً من قبل! إن فكرة الانتقام التي انضافت إلى أيديولوجيا التنظيم حديثاً لم تعد قابلةً للتنفيذ وفق الطرق التي يتحدث عنها أنصار التنظيم وقياداته؛ فالعالم المتغيّر والمساحات الضيقة التي حصر فيها التنظيم لا تؤهله لأنْ يقوم بأي هجومٍ ذي بال في مقرات المصالح الأميركية المهمة، بل سيقتصر دور التنظيم على استغلال المساحات الكبيرة الممنوحة له في اليمن؛ سيسعى إلى انطلاقةٍ عالية القوة لأن يعطي أقسى ضربة لأميركا، لكنها لن تجاوز الدعاية الرمزية والإعلامية للقاعدة! إن مرحلة النفوذ الكبير الذي كانت القاعدة تحتله خلال العقد المنصرم قد زال، وحلّت الآن تشكيلات جديدة للجماعات الأصولية، وهي يومياً تتواءم مع الحالة السياسية والغليان الاجتماعي النادر الذي يحدث عربياً ... التنظيم لم يستوعب بعد مدى إفلاسه الاستراتيجي حتى وهو يتحرك حراً في اليمن، حين يكتشف ذلك الحصار سيعلم أن "مجد القاعدة" قد ولّى إلى غير رجعة!