أحببت حكاية الماسونية هذه. موضوعها لا ينتهي. يمكن أن أكتب عنها من الآن إلى أن تقوم الساعة. المسألة لا تحتاج إلى اجتهاد أو إبداع. مجرد أن أتذكر الحوادث التي مرت في حياتي الماضية وأتأمل في المشبوه منها و المشكوك في طبيعتها والنساء اللاتي ابتسمن لي في أي يوم من الأيام. كنا مجموعة من الشباب السعودي. قفزنا من رياض السبعينيات إلى لندن من دون مقدمات. اشترينا ملابسنا (الافرنجية) من البطحاء. في وسط البطحاء سوق كبير يسيطر عليه إخواننا اليمانية يطلق عليه الكويتية. كلمة يمانية و كويتية توحي أننا أمام سوق عالمي. وهو بلا شك كان عالميا. مليء بالخبرات الأجنبية وأدوات الاستهلاك التي لا حصر لها. ساعات راديوات سجادات عطورات ملابس مفارش . لا أحد منا يستطيع أن ينسى الأستاذ قايد علي محمد. كان مرجعا في كل ما يخص الأناقة . يعد رائد الأزياء الحديثة في سوق الكويتية. لعله اكتسب خبرته من العمل في بيوتات الأزياء المنتشرة في الحديدة. لم يقيد قايد نفسه بدكان محدد. كان يحمل الملابس على كتفه ويدور بها في الزحمة . بنطلونات سراويل أكوات بشوت وبالطوات تركها جنود قضوا في الحرب العالمية الثانية. كان هو اليماني الوحيد الذي تخلى عن الوزرة والكمر وارتدى البنطلون. قدم نفسه في السعودية كخبير في الأناقة. كان كريما. نقل لنا كل خبراته. انتقى لنا البناطيل والقمصان والجاكتات وحدد لنا أن نلبس هذا مع هذا ولا نلبس هذا مع ذاك. قبل أن يتركنا بأمان الله همس في آذاننا بسر الجمال الرجولي الذي يطيح بالنساء اللندنيات من أول شمة. عندما أستعرض ما جرى في الأشهر الثلاثة الأولى في لندن أدين له بالفضل في حمايتنا من الماسونية. ثلاثة أشهر لم تطالع فينا ولا بنت. كان بنطلوني برتقالياً والقميص أصفر, وزميلي كان يلبس بنطلوناً اخضر فاقع، والثالث ليلكي. لا أتذكر ملابس صديقنا الرابع. لكنه على أي حال كان ملتزما مثلنا بلمسات قايد. نزلنا لندن كفرقة موسيقية منحدرة من قبائل المايا في جبال الأنديز. أكثر ما يميزنا شعورنا الطويلة ورائحتها النفاذة. سر الجمال الرجولي حسب خبرة قايد تكمن في الشعر المدهون بكريم أبو وزه. من حسن حظ الماسونيات اللندنيات أن شنطنا كانت صغيرة لا تستوعب درزناً كاملاً فاضطررنا أن ننقص الحمولة إلى نصف درزن لكل واحد. كمية استنفدناها في الأشهر الأولى. اكتشفنا بعد هذه الأشهر أن ملابس قايد وكريم أبو وزه يتعارضان مع متطلبات الماسونية للإيقاع بالشباب المسلم . فور أن تخلصنا من آثار قايد أحسسنا أن الماسونيات بدأنا يرمين حبالهن الخبيثة لاصطيادنا. بعد كل هذه السنين يتشكل السؤال الكبير الذي لم أجد له إجابة سهلة. ما علاقة الأستاذ قايد بالصراع مع الماسونية. هل كان داعية في ثوب مصمم أزياء, كما كان أبو سعبولة ماستراً ماسونياً متخفياً في ملابس بائع ماء ؟ الله أعلم