كيف نبدأ؟ مازلت وبعد طرح السؤال أفكر في بداية لهذا المقال، فالفكرة لا تريد أن تخرج بدون مقدمة تمهد لها، بل إنها تختبئ مني باحتراف رغم ملاحقاتي المستمرة محاولة أن أمسك بها ومحاولاتي حتى الآن فاشلة، لذلك سأتجاهل الفكرة واتصادق مع المقدمة لعل لحظة التجاهل هذه تخرجها من مخبئها. لا أظن أنكم تريدون مني تعريفاً للحب، ولا بحثاً عن وجوده في الأعمال الأدبية أو الفنية أو على شفاه الممثلات في المسلسلات العربية اللواتي يرددن بحماس «بحبه يا بابا» ليرد عليها بابا بكف تنتهي معه الحلقة وننتظر نحن حتى نعرف نهاية حكايتها مع فتى الشاشة الأول أو العاشر هذه الحكاية التي قد تنتهي في المحاكم وكل منهما يبحث عن الطلاق أو قد ينتصر فيها بابا ويزوجها ابن صديقه الغني بدلاً من حبيب القلب الفقير، الذي تنصلح أحواله بعد أن تخرب أحوالها هي وذاك الغني، في تجسيد واضح لسياسة الأبيض والأسود التفكيرية والتي لا تؤمن بمرحلة الرمادي. ولنتحدث عن الرمادي رغم أنف الأغنية التي تقول «يا أبيض يا أسود لكن مش رمادي» فالرمادي قد يكون موضة أحياناً يسعى لاقتنائه الجميع لمجرد أن مصمم أزياء قرر في لحظة أن يجعله الأول ونحن دائماً نريد أن نكون في المقدمة مع الأوائل المتابعين لكل جديد المتلهفين له. الرمادي ليس بهذا السوء الذي نتصوره فهو لون جميل خاصة حين تتلبسه لمعة تضفي عليه رونقاً، ونحن في كثير من الأحيان نعيش في دائرة الرمادي نمسك بخطوط هذا اللون حتى تتلبسنا تختلط مع ألواننا، وهي لا تعني أننا في مرحلة مترددة بين الأبيض والأسود أو مرحلة غير حاسمة، وهي لا تعني أيضاً أننا في مرحلة تردد فكري أو مشاعري، لكنها مرحلة طبيعية نعيشها كما نعيش مع ألوان الطيف الأخرى، وأظن أنني خرجت حتماً عن الفكرة، فلنعد للحب. أنت كائن مليء بالمشاعر، تحب أحياناً وتكره في أحيان أخرى وفي معظم الوقت أنت تعيش في مرحلة الاستلطاف، فليست كل حياتك متمحورة على الكره والحب، ورغم تناقض هذين الشعورين إلا أن أحدهما حاسم والآخر له تبعات كثيرة، وأترك لكم تحديد أيهما الحاسم وأيهما المريح؟ أنت تحب، تحب أبناءك، تحب عملك، تحب أبويك، تحب أصدقاءك وقد تنافس قيساً في حبه لكل ليلى، وحبك متطلب لا يتركك في حالك، فأنت تنشغل بمن تحب، قد تعيش نصف حياتك بحثاً عن صورتك في عيونهم وقد لا تجدها أو قد تجد نصفها أو ربعها، أو قد تجدها مقلوبة أو قديمة! وقد تعيش النصف الآخر محاولاً تغييرهم للصورة التي تريدهم أن يكونوا عليها وكأنك طبيب تجميل أمسك بالمشرط الخطأ وبدلاً من أن يعدل الأنف جعله يتهشم! وخرج بعدها هو والمريض وكلاهما غير راضٍ، فبدعوى الحب نحاول أن نغير الآخرين لأننا نعتقد أننا نعرف مصلحتهم أكثر، ولأننا ننشغل بتغييرهم قد نغفل عن ملاحظة أجمل ما فيهم، قد نضيع وقتاً بعيداً عن ملامسة هذا الجمال الروحي فنحن مشغولون عن كل ذلك بمحاولة التعديل! فنحن في النهاية لا نحب الشخص كما هو بل كما نريده أن يكون! وهذا يعيدنا للعنوان، لا يفي فقط أن تحب بل عليك أن تقبل من تحب كما هو بدون أن تحاول أن تغيره أو تدجنه أو تعيد برمجته!