تحكي لي أمي أني وُلدت أيام أزمة الخليج وعمري كان أياماً عندما رمى صدام صواريخه على الرياض ، أما أنا فسأحكي لك عن هذه الرياض، مدينتي التي تغرب شمسها بعدما يصل صدى ازدحام طُرقاتها إلى السماء ، ويأتي ليلها على مائدة صمت تلك الطرقات وكأن ما حصل النهار يفصل عن الليل بجملة تناقضات لا تعرفها رياضٌ سواها ، وفي الليل تُثقل الوسادات بحجم أفكار سكانها وأحلامهم وتشكو أبراج الاتصال من أثير مكالمات العشاق ومن على إثرهم ، وبكل أرضٍ هي – الرياض – تفيض أرواح من يقيمها بألف قصة وقصة ، مدينتي يا - بعيد - عاصمة تجعل مخزون الحنين مضاعفاً لحظة إقلاع طائرة السفر عن أراضيها ، قبل سنوات لم أكن أتوقع أني سأصل لنضج عشقي للرياض كحالي هو الآن ، في الحين الذي يُغضبني اليوم لعن أحدهم لرياضي وشتمهم إياها لتطرف أهلها وصلابة نظامها وغلبة ثقل ووزن أسماء عوائلها وقلة ترفيهها ووحشة صحاريها ، ناهيك عن وقتٍ ينتابني فيه يا – بعيد – من ضيقها كلما شعرت بقلة حيلتي وضعفي عن الإنجاز ، أشعر بأنها تصغر علي ، تقترب مني ، تحاصرُني بغرفتي ، أوراقي ، أشيائي ، وأظل سجينة انتمائها بتهمة الحنين، أما أضوائها فالرؤية المجرّدة تجعل من صداعي يزيد وتزيد حاجتي لارتداء نظارة شمسية عازلة عن كل أضواء المدينة ، الأمر الذي يصل لتخفيف سطوع جوالي فكل الأشياء من حولي تتداعى ، مضاءة وتعمل على التشويش، وعندما أسعد فكل شيءٍ يتبدد وجملة تلك المشاعر تنقلب لأسهم خضراء تؤشر لصالحي ارتفاعاً ، وأحمد الله ألفاً على رياضي التي تُساعد بمنحي تفوقاً ونجاحاً أكثر مما لو كنتُ أعيش في غيرها ، حينها فقط تنعكس أضواءها بشبكية عيني كتأثير أضواء كوكب آفاتار بتصويره المحترف. أُحب مدينتي يا بعيد , أحبها بكل أوجهها التي قد تعوّدتها يوماً حتى ارتقت لمرحلة الحب بلا انفكاك ، كما قضيت عقدي عُمري فيها ، أدعو الله أن لا يحرمني منها حتى أموت. قد أندم يوماً على ما كتبت أعلاه، وسأتوب حتى تعود دمائي تضخ بحنينها مجددًا.