ثمانينيات القرن الماضي، القاعدة الزمنية لموسيقى البوب والسِنثسَيزر والعينات المدمجة، وعقدها الذهبي الذي أُبدِعت فيها أجمل أغاني الصنف وأكثرها تأثيراً في نجوم العقود اللاحقة من فنانين منفردين أو فرق. رائعة فرقة البوب النرويجية، وبيضة الديك أو الهيت وندر كما يحلو للأمريكين إطلاق اللقب على هذه الأغنية، تجسد موسيقى الثمانينات والاستخدام الأبرز للسنثسيزر وأسلوب بوب الثمانينيات الأوروبي، في ثلاث نسخ محسنة صدرت من أجل الوصول إلى المكانة التي كان يرى فيها منتجوها من شركة وارنر برذرز استحقاقها التام. ربما يجدر بنا استقراء وقائع بدايات تأسيس فرقة "أها" التي قادت هذه الأغنية إلى النجاح فهي مرتبطة بها وبشكل وثيق. قبل أن تكون هناك فرقة اسمها "أها" كانت فرقة "بريدجز" التي أسسها بول واكتار وماجني فوروهولمن، تحاول أن تجد لها مكاناً في المشهد الغنائي النرويجي، ولكن دون حظ بالنجاح، تم حل الفرقة وانطلق واكتار وفوروهولمن إلى لندن من أجل فرصة جديدة، وبعد مكوثهم في مدينة الضباب ستة أشهر عادا بخفي حنين، لكنهم تعرفوا على مورتن هاركيت المغني الرئيسي لفرقة ناشئة في النرويج تدعى "سوليدر بلو"، بعد انضمامه للفرقة بستة أشهر كتب الثلاثي بعض الأغنيات وشرعوا في تسجيل ديمو. بعد هذه الأشهر الستة، انطلق الثلاثي في رحلة أحلام جديدة إلى لندن متسلحين ببعض الأغاني والتي كان على رأسها "الدرس الأول" والتي تغير اسمها عند تسجيلها إلى ما هي عليه الآن. بعد التنقل بين عدة شركات إنتاج وإلغاء عقود مبدئية، استقر رأي الفرقة على منتج شاب قدمهم إلى شركة وارنر برذرز، التي أوصت أحد خبرائها الموسيقين بالعمل على الألبوم الأول للفرقة "الصيد علواً ودنواً" وطرح بعض الأغاني المنفردة قبله، ومن ضمنها أغنيتنا موضوع الزاوية، لكن الأغنية لم تحقق نجاحاً يذكر. في الولاياتالمتحدة كانت الشركة الأم تراهن بقوة على الفرقة الناشئة وسمحت بإعادة تسجيل الأغنية وتوزيعها في المملكة المتحدة. تولى إنتاجها هذه المرة ألان تارني، إلا أنها لم تحقق كذلك نجاحاً يذكر، بسبب اقتصاد فرع لندن في تمويل مشروع إنتاجها، فوجهت الشركة الأم بالعمل على حملة إعلانية جيدة والعمل على نسخة مصورة من الأغنية بعد إطلاقها منفردة بالاعتماد على النسخة التي أنتجها تارني، في الولاياتالمتحدة هذه المرة، فكانت الضربة. بنية الأغنية تعتمد على اللحن الأساسي الذي يعزفه فوروهولمن على جهاز الرولاند المعدل، مع عزف واكتار على الجيتار المتزامن، مع ضربات الطبول التي تفتح بها الأغنية بشكل مباشر وحاد. في الثانية الخامسة يدخل الجيتار، ثم تلتحق به باقي الآلات المسجلة على الرولاند في ربع الدقيقة الأولى، لتنطلق الأغنية في إيقاع بوب شائع، "تيمبو" سريع بإيقاع حارق بمعدل مائة وسبعين ضربة في الدقيقة، في نوتة أي رئيسية، تأخذ مساحة الأغنية التي تبلغ أربع دقائق إلا قليلاً. غناء هاركيت بذاته يأخذ مساحة حقيقية ومؤثرة في بنية الأغنية اللحنية، فقدراته الصوتية مدهشة، بقوة تظهر في وتيرة الصخب والموسيقى الصافية التي يخلقها تزامن السنثسيزر، حيث يغني المقاطع الرئيسية في طبقة صوت معتدلة ، في الكورس ينتقل هاركيت من موافقة نوتة منخفضة ثم يرتفع ليصل إلى نوتة الفاليستو، ثم يرتفع محققاً النوتة الأعلى في آخر الكورس وبشكل جعلها تحدياً للكثيرين الذين أرادوا إعادة تسجيل الأغنية. فوروهولمن مرة أخرى وبذكاء مدهش يتلاعب بلحن الأغنية في المنتصف تماماً، التمبو ينخفض عبر نغمات الكيبورد المعدلة من أجل البدء باللحن من بدايته لكي يبدأ هاركيت المقطع الجديد. في النسخة المصورة ذائعة الصيت والتي جلبت للفرقة ست جوائز من بين ثمانية ترشيحات في حفل "الإم تي في" عام 1986م، يختلط الواقع الحي بتقنية الروتوسكوبينغ، حيث يرسم الأنيميشن على الحركة الحية للشخصيات، فمن خلال ما يقارب ثلاثة آلاف لوحة تم إنجازها على يد رسام اسمه مايكل باترسون في ستة عشر أسبوعاً، جاء الفيديو المصور عن الأغنية في هيئة سابقة لعصرها وما زالت تعتبر إلى يومنا الحاضر مثالاً على النموذج المميز للأغاني المصورة. ستيف بارون مخرج الفيديو يخلق قصة حب فانتازية عن فتاة تجلس في مقهى تقرأ مجلة كوميكس تحكي عن سباق دراجات نارية، يفوز بطل الكوميكس، وعندما تأتي النادلة لتسلم الفتاة فاتورة الحساب، تعود الفتاة لقراءة الكوميكس، حيث تفاجأ بالبطل يغمز لها بطرف عينه، وفي غمرة المفاجأة تخرج يده من الكوميكس مغرية لها بالدخول في عالمه، فجأة يتحول كل شيء إلى عالم الرسوم المتحركة، بطلنا المرسوم على الهيئة الوسيمة لمغني الفرقة هاركيت، يتغنى بثيمة البوب الغالبة والأساسية "الحب"، وهو في عالم الأنيمشين يبدو وكأنه يعرف الفتاة على عالمه الأسود والأبيض، وبعد حوادث جميلة ومثيرة يخرج بطل الكوميكس إلى الواقع جسداً وروحاً!. المقطع الأخير من الفيديو مأخوذ عن فيلم كن راسل "ألتر ستاتيس" عام 1980م، والمقتبس عن رواية تحمل نفس الاسم للأمريكي بادي تشايفسكي. في الحقيقة ليس هناك حاجة لمزيد حديث عن المراتب التي حازتها الأغنية في الثمانينيات، فبخلاف المرتبة الأولى لمائة البيلبورد الأمريكية، فهناك العديد من القوائم حول العالم التي توجتها الأغنية وظلت مسيطرة عليها لفترة ليست بالقصيرة، أما إعادة التسجيل والتوزيع، على الرغم من صعوبة غناء الأغنية، إلا أنها كانت ملهمة للعديد من الفنانين في أمريكا وأوروبا واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها، وهو ما يدل على شهرتها الواسعة والتي ما زالت تلاحق الفرقة التي خبا ضوءها في أمريكا، لكنه ما زال يشع بضراوة في أوروبا حتى اليوم.