كان الكولونيل ديكسون في رحلة قنص وهو يستقل سيارته ذات الموديل ( 41 ) ترافقه زوجته (أم سعود ) قرب تلال المسنات في الصحراء السعودية الكويتية عند ما رأى من على البعد نقاطا تتحرك في الصحراء ببطء وهي تدخل ثم تخرج بين أحراش نبات الحمض وكان وجود اشخاصا يسيرون على الاقدام بهذه الصحراء الموحشة بمفردهم كما يسير هذان الشخصان يعني ان هناك مسافرين نفقت جمالهم وتقطعت بهم السبل ولكنه عند ما اقترب منهما لتقديم المساعدة فوجئ بأنهما امرأة طاعنة في السن وفتاة بديعة الجمال في سن الثامنة إلى التاسعة من العمر كانت تقتاد العجوز من يدها وقد ظهر عليهما التعب والارهاق . ثم تبين ان العجوز من رعاة قبيلة المنتفق وانها قد عثرت على الفتاة الصغيرة منذ خمسة ايام تائهة في الصحراء وهي في اشد حالات الخوف والإعياء فأخذتها إلى خيمتها وقدمت لها العناية حتى استعادت حيويتها ، ولما كانت العجوز هي وابنائها في طريقهم للهجرة أو الرحيل باتجاه أراضي حفر الباطن فقد رأت ان تبحث عمن تودع عندهم الفتاة ليبحثوا لها عن أهلها وكررت رجاءها للكولونيل وزوجته لأخذها معهم والبحث عن قومها .ووجدت هذه الفكرة ترحيبا من الكولونيل وزوجته كما ذكر في كتابه ( الكويت وجاراتها ) مستعرضا بقية احداث القصة : وافقنا على ان نفعل ذلك ، واصطحبنا الفتاة الصغيرة إلى خيمتنا في الشق ، كانت حلوة وجميلة ولطيفة جدا واسمها ( ثريا ) ولم تكن من النوع الذي يلجمه الخجل عن الحديث بأي حال . وكانت ممتنة كل الامتنان وبشكل اكثر من المعتاد لاننا سوف نصحبها إلى الكويت لنسلمها لأمها وفي تلك الليلة حكت لنا قصتها : كانت ابنة لامرأة تدعى جزعة وهي أرملة تعيش في منطقة المخيمات في الشامية خارج مدينة الكويت وكان لها أخت اصغر منها تدعى وسمية وأخ طفل وكان لهم عم يرعى الأسرة ويقوم منها مقام الأب ولكنه كان رجلا غليظ القلب ونظرا لانه كان يعيش بمفرده بالصحراء مع اغنامه وبضعة جمال كان يصر دائما على ان يأخذ ثريا من امها لتطهو له طعامه وتعتني بالخيمة اثناء غيبته ولم تجرأ امها ان تعارضة لأنه شقيق المرحوم زوجها والمسئول عنهم بعد وفاته وقبل ستة ايام طلب عمها منها ان تخرج لرعي الجمال في الاراضي التي يتوفر بها الحمض فنامت تحت شجرة لتجد عند ما استيقظت ان الجمال رحلت بعيدا وحاولت طيلة يوم بأكمله ان تعثر عليها إلى ان انهارت وخرت على الارض نتيجة للاعياء والعطش وعثر عليها رعاة من الجواريين المهاجرين فأخذوها واعتنوا بها واستمروا يرعونها لفترة ولكنهم هم انفسهم كانوا في منطقة لا ماء فيها ويريدون ان يتخففوا قدر طاقتهم ليحثوا الخطى وبعد ان اعتنوا بأمرها لمدة خمسة ايام سعوا الآن للخلاص منها وحاولنا بكل طاقتنا ان ندخل البهجة على الصغيرة ثريا أثناء اقامتها معنا في خيمتنا وكانت من اجمل البدويات الصغيرات اللاتي التقينا بهن طوال السنوات العديدة التي امضيناها في الكويت وتقبلتنا على الفور كأب وأم لها وكانت تهرع الينا وتحيط رقبتينا بذراعها لتقبلنا عندما نعود بعد جولة أو رحلة للصيد وكانت تزحف لتلتصق بنا اثناء الليل لتنال ما تصبو اليه من دفء تحت معاطفنا المصنوعة من جلود الاغنام وتطلب الامر بعض الوقت إلى ان عثرنا على امها بعد عودتنا إلى الكويت واقامة الفتاة لمدة ثلاثة ايام مع احدى صديقاتنا العديدات في المدينة وهي عمشة بنت ابراهيم المزين واثناء بحثنا عن امها قدم لنا رجعان المطيري مسئول بوابة دروازة نايف مساعدات جمة وتمكنا بمساعدته من تحديد مكانها وكم كانت فرحتها عندما عدنا اليها بثريا ونشأت صداقة وطيدة بيننا وبينها والتقينا بوسمية ولمدة عام كامل لم تنقطع عن زيارتنا بانتظام ونظرا لعدم وجود عائل لهم ولانه كثيرا ماكان يعز عليهم الحصول على الطعام والملابس كنا نبذل كل ما في وسعنا لمساعدتهم وذات ليلة اختفت الأم والاطفال الثلاثة فجأة وبطريقة غامضة وقال الجيران انهم رحلوا إلى الزبير في العراق خوفا من ان يجبرهم العم الشرير على الخروج إلى الصحراء بينما قال اخرون ان الام كان لها قريب يقيم بالزبير يريد ان يتزوجها فطلب منها أن تذهب اليه سرا ودون ان تترك أي اثر من ورائها ، شغفنا كل الشغف بثريا وافتقدناها كثيرا ولكن العائلات البدوية تسكن في وجدانها غريزة الحنين إلى الموطن الأصلي ولذلك كنا على يقين اننا سنلتقي بثريا مرة اخرى ذات يوم ربما عند ما يختفي العم الشرير من الساحة. ام سعود وزوجها وولداها سعود وزهرة بالزي العربي