نشأت صداقة بين أسرة الكولونيل ديكسون وفتاتين من الصحراء أثناء قدومهن عام 1935 م لشراء بعض اللوازم من سوق الكويت ثم ودعتا الكولونيل وزوجته أم سعود وابنتهما زهرة عندما كانت الأم وابنتها تستعدان للسفر لانجلترا لقضاء إجازتهن السنوية هناك ووعدتا الفتاتين ديكسون من أنهن سيعاودن الزيارة عندما يعلمن بعودة الأسرة قبل أن يسألهن بدهشة كيف سيعلمن بعودتها وهن يعشن بصحراء مقطوعة . ردت الأصغر سنا : سوف يصلنا النبأ حتى ولو كنا على مسافة تقطعها الجمال في عدة أيام ، ( أن أهل البادية شياطين لا يفوتهم شئ ) هكذا قالت بعدما أصرت أن يحكم بينها وبين أختها : ايهن الأكثر جمالا مظهرة أطراف جدائلها قائلة في زهو وخيلاء أختي ( ف ) ليس لديها قرونا مثل قروني ثم انصرفت قبل أن تنتظر منه أي إجابة وتركته في حيرة من أمره أثناء ما ردد : حقا إنها أميرة الصحراء والحق أن النساء البدويات يفضن بهجة من حولهن عندما يثقن ويتعرفن بك عن كثب ثم استطرد ضمن كتابه ( الكويت وجاراتها ) : عندما عادت زوجتي من انجلترا أنجزت ( ع ) ما وعدت به وفجأة وجدناها أمامنا هي وشقيقتها ( ف ) وقد جاءتا مغامرتين من نواحي آبار ( اللهابة ) في الصمان على مسيرة ( 12 ) يوما يرافقهما حارس من أبناء القبيلة وقالتا إن زوجيهما سيحضران في أثرهما خلال أسبوع . وعندما سألتهما ما إذا كانتا لا تخشيان السفر طوال تلك الفترة بمفردهما ومعهما رجل لا تصحبه زوجته انفرجت أساريرهما وبدتا كأنهما أدركتا المعنى الذي اقصده فشرحتا لي الأمر قائلتين : فيما يتعلق بالبادية فليس هناك أي خطر لان بن سعود تكفل بذلك واستقر الأمن , وأما إن كنت تلمح إلى أن سيدتين يصاحبهما رجل للحراسة أثناء سيرهما منفردتين , فهذا أمر طبيعي تماما في البادية فالنساء آمنات دائما هناك , لأن البدو يتحلون بروح الفروسية , ولا يمكن أن يصيبوا أنثى بأذى حتى ولو كان ذلك مقابل كل ذهب العالم , والى جانب ذلك ألسنا بنات أصل وفصل وأميرات في موطننا الصحراء , أما بالنسبة لحارسنا فبعد أن يقوم بإعداد كل ما يلزمنا طوال الليلة , يضعه وراء حاجز الخيمة , ثم ينصرف لينام بعيدا بمفرده , ولا شك أن الرجال في بلادكم يفهمون أن لمس الأنثى حرام . أميرة الصحراء كانت ( ع ) و ( ف ) جميلتين إلى أبعد الحدود ولكن الهزل كان قد أخذ منهما كل مأخذ إلى درجة تبعث على الرثاء بعد رحلة الصيف الطويلة إن الحياة التي تعيشانها هي اشق وأقسى ما يمكن لإنسان أن يتحمله : الحد الأدنى من الطعام وهو طعام واحد لا يتنوع ولا وجود لأي رعاية صحية أو ملابس نظيفة وكل ذلك في مناخ تبلغ درجة الحرارة فيه في الظل وداخل الخيام 130 ( ف ) والصيف ينهك هؤلاء الناس فيتحولن عند نهايته إلى كائنات هزيلة كالأشباح ويبدو عليهن الشحوب والوهن كما هي حال ما يصاحبهما من أبل ولا غرابة أذن أن يصاب البدو بكل أعراض الشيخوخة المبكرة , ومن الناحية الأخرى وأيضا كما هي الحال مع إبلهم فهم سرعان ما يستردون صحتهم وحيويتهم إذا هطلت الأمطار وعند ما يتوفر لهم القدر الملائم من لبن الإبل الذي يفيض نتيجة لتحسن الأحوال , تمتلئ منها الأجساد وتكتسي لحما بشكل سريع يلفت الأنظار بعد أربعة أيام أقمنا حفلا ساده المرح عند ما جاءت الشقيقتان تصاحبهما ابنة احد شيوخ البادية المعروفين ورحبت زوجتي بالضيفات الثلاث كل ترحيب وأيضا بعدد من السيدات من مطير في مأدبة نسائية بحتة في غرفة الاستقبال بالطابق السفلي المخصصة للزائرات من نساء البدو , وكانت بخيته هناك وجارية أخرى تدعى مبروكة وهن من الجواري اللاتي اعتقن مؤخرا من شيوخ احد القبائل ويعملن الآن في إدارة ما يشبه الفندق الصغير في الكويت ( هدية من الشيخ مبارك ) تنزل به قرينات شيوخ مطير عند ما يجئن إلى المدينة واشتملت قائمة الطعام على خروف كامل وبعض الدجاج المشوي ومرق الطعام وأكوام من الأرز وبعد انتهاء المأدبة انضممت إليهن بينما أقداح القهوة تدور عليهن ولم أنس أن أطلب من ( ف ) خاتمها لأحتفظ به كتذكار لهذه المناسبة وكان خاتما جميلا من الفضة وان كان بيضاوي الشكل مرصع ببعض من الفيروز الأخضر في حجم نصف بنس وأعطته لي وعلى وجهها ابتسامة جذابة تنم عن دلال أنثوي غامر وأدب رفيع يليق بأميرات البادية فأخذته وأضفته إلى مجموعة النفائس التي في حوزتي وغالبا ما كنت أدعها تراها كلما جاءت لزيارتنا .