لقد كانت السيارة أول وحش آلي في الصحراء ، جاءت بديلا عن وسائط النقل المألوفة كالجمل مثلاً ، ولكنها جاءت بكل غرابتها وهيبتها وفزعها ، وكان ذلك في وقت يكاد يكون مفاجأة للسكان جميعاً. لقد كان لظروف المنطقة الاقتصادية ولظروف العالم أيضا السياسية والاجتماعية والحروب والتقدم الصناعي دور كبير في ظهور هذا الوحش فجأة وبدون مقدمات ، فأول من جاء بالسيارات إلى المنطقة هي الشركات العاملة في استخراج وصناعة البترول بالإضافة إلى الحروب كالحرب العالمية الثانية عام 1945م والاستعداد أيضا من قبل الحكومات في المنطقة حيث يلزم للجيوش وسائل أكثر قدرة وقوة بالإضافة إلى حاجة حملات الحج لها وكذلك التواصل بين الحاكم و وأهل بلدانه ونقل ما يلزم من رسائل ولوازم التنمية . فعرفت أنواع كثيرة من السيارات وتم استخدامها إلا من قبل شركات أو أفراد و منها : الفورد وهي أشهرها وأكثرها انتشاراً ، ويسمى فرت وسيارة الجمس واريو أو ايف أبو شنب ، الانتر ناشنال ويسمونه عنتر ، وسيارة الشفروليت ويقولون عنه شفر ومنه الهاف و اللوري ، والدوج ستودي والفور بافور و الماك ، والهدسن ، و الدمنتي والمسكوفتش والرمبلر والفولكسواجن والفولفو والبيوك والمرسيدس ....الخ تقول الشاعرة بخيته المرية : مل قلب فر وأفتر مثل المروحه فرها فرت جديد قوي سيرها ان ضحك لي صاحبي سر قلبي وافرحه وان تغلى صاحبي زاد عيني شرها صاحبي ناوي يذبحني وانا مقوى اذبحه شب في كبدي سنا نار زوّد حرها وتقول في تمني سيارة حمراء توصلها : مايقرب دارهم كود صنع الذاهبين كود حمرا عزمها من صفاة بلوفها كن حنين الويل يشبه لخلفات القطين لينوا له بالقدم مع طمان اجروفها استقر هذا الوحش في الصحراء الهادئة بكل أنواعه ، حديد متحرك بشكل عجيب أخاف الناس لغياب المعلومات الكاملة عنه عندهم من مقدمته إلى قفاه ، كما أن السيارة أعطيت من حيث الصنع شكلا خارجيا بعينين أماميتين وأسنان بيضاء وأنف في المقدمة أو ما يشبه الوجه فهوبالفعل شكل مخيف . وبالنسبة لدخولها ميدان الخدمة لمجتمعنا فقد صاحبها مفاجأة كبيرة وكبيرة جدا ، أذهلت من يشاهدها لأول مرة ، فما كان يتوقع أن يكون هناك شيئا يتم التنقل بواسطته سوى الجمال والحمير والخيول في البر ، والسفن في البحر ، ولهذا قيست عليها وشبهت بها عند السماع بها .ولقد أشيع أن بعض أهل القرى قدم لها برسيما عند توقفها ، ظنا منه أنه طعام لها كما هي الجمال ، وهذا وإن كان في الغالب إشاعة أو حقيقة لم تكتمل إلا أنه لا يتجرد تماما من الواقع الذي يؤكد حدوثه ، وذلك لأن أهل القرى عندما يستقبلون أي ضيف فإنهم يجهزون لراحلته برسيما ، ويحطون عنها فيطعموها ويتركون الضيف يتوجه للضيافة مكملين بقية الاهتمام بالراحلة التي استقلها . وأما بالنسبة لرائحتها فإنها أيضا رائحة مميزة تخصها دون سواها جاءت مرافقة لها لا يشبهها أي رائحة معروفة ، لا خضار ولا فاكهة ولا قماش ولا طين ولا تراب ولا إنسان ولا رائحة بهائم أو أعلاف ، فرائحة العجلات والمحروقات و العوادم الناتجة لم تكن مألوفة في المكان بل غريبة على أهله فأصبحت حتى الروائح من الخصائص التي تميز هذا الكائن الوافد ، وأصدقكم الحديث إن قلت لكم أن أول ما شممت رائحة السيارة علقت في ذاكرتي حتى الآن فأجدني أتذكرها لم تزل عالقة كرائحة تشبثت بالذكرى معها رغم مرور السنوات لكنني كنت يومها طفلا تعجب من رؤيتها أحلم بها في الليل يقودها سائقها كما يقود الدراجة لأنني لم أر قدميه كيف يحركها وأشم رائحتها الأولى باقية حتى الآن . و في أول ظهور السيارة في الجزيرة و في المملكة بالإضافة إلى دول الخليج وخاصة الكويت في الأعوام الميلادية 1932 و1945 و1950 لم يكن بالإمكان تملكها من قبل الأفراد بسهولة لأسباب عدة , ومعظم الذين تولوا قيادة السيارات أو تملكوها هم من الذين عملوا في شركة أرامكو أو عملوا في شركات التنقيب عن البترول في المنطقة الشرقية أو البحرين و الكويت وغيرها وكانت الموديلات المستخدمة في الأربعينيات والخمسينيات وأشهرها موديلات 1952 إلى 1958 م ، فكانت السيارة وقتها تشبه الطائرة في ندرتها وأهميتها ، فتمر على مجموعة من القرى لتنقل المسافرين والبضائع إلى المدن الكبرى كالرياض أو مكة أو الشرقية أو غيرها ، وكان لها مواعيد أسبوعية ينتظرها المسافرون عند باب القرية الرئيس ، بحسب الموعد المتوقع مع صاحبها ، فتدفع له الأجرة على الراكب وعلى البضاعة المحمولة أيضا . ويمكننا تقسيم السيارة إلى درجتين من حيث تمايز مكان الركوب ، فالدرجة الأولى هي (غمارة ) السيارة أو كبينة القيادة ، حيث تتسع لستة ركاب مع السائق علما بأن معظم الركاب نحيف الجسم لم يعرفوا السمن بعد ، وتكون قيمة الركوب فيها أغلى من الصندوق بالنسبة لسيارات الشحن ( اللوري) وهو الغالب في أول وقت ظهور السيارات ، أما الدرجة السياحية فهي الصندوق مع البضائع المصاحبة ، وهناك فوق الكبينة يوجد ما يشبه البلكونة في المباني وتسمى ( السلة ) قد يركب فيها بعض الركاب يستمتعون بالجو العلوي والهواء النقي والرؤية الأوسع أفقاً ، وهي تابعة للصندوق لكنها ضيقة ولا يفضلها سوى الشباب وتتسع لحوالي ثمانية وقد يوضع فيها بعض الأثاث القابل للكسر وما يخاف عليه من التلف وقد يوضع فيها بعض المؤونة والطعام. السائق : أحيانا يسمونه سواق ، وأحياناً يطلق عليه ( دريولي ) أو دريول ، وهي تسميات وافدة ، وهذا السائق يظهر لمن حوله بأنه شخص مدلل أو لنقل أنه محظوظ وأنه يحظى بشيء من التقدير ، ذلك لأنه عملة نادرة وخبرة فريدة ، في وقت ليس لأحد القدرة على قيادة هذه الآلة الجديدة فيحل محله أو ينوب عنه أو يقوم مقامه ، إنه طيار الفترة ولكنه يقود آلة أرضية وليست جوية . يوفر للسائق الراحة وقت الاستراحة ، ويقدم له ما يشتهيه من اللحم أو البيض أو الشاي ، وله مكانة خاصة عند أهل البلدان التي يفد لها بسيارته ، ويعطى فرصة لينام فلا يزعجه أحد حتى لا يعكر مزاجه أو يعجز عن قيادتها في رحلته القادمة ، وذلك لما سوف يلاقيه من العناء الذي يرونه بأعينهم ويشعرون به عن قرب وقت أسفارهم ، فالسيارة عرضة لأن تنغرز عجلاتها في الرمال وهي أيضا عرضة للعطل ، ولا يقوم بمهام الرحلة سواه ومساعده ، وربما احتاجت السيارة إلى قوة عضلية من الركاب كي يدفعوها نحو الأمام حتى تخرج من الرمال لكن يتم وضع أخشاب معدة لمثل هذه المواقف الصعبة تزود بها السيارة مدسوسة في أسفلها وعلى طول صندوقها مخفية لا يخرجونها إلا وقت الحاجة ، فهي تشبه قوارب النجاة في السفن . وإذا غرزت بعض السيارات ردد بعضهم العبارات التالي ( السواق عليمي والموتر قرنبع والسكة طويلة ) حتى أصبحت تلك العبارات أشبه ما يكون بالمثل يقال في كل مناسبة لا يتقن العامل عمله والصانع صنعته . كذلك عبارة ( سواق طارة) ، والطارة هي مقود السيارة فكأنهم يصنفون السائقين صنفين ، أحدهما سائق يقود السيارة ويصلح عطلها فيما لو حصل ، بينما سائق آخر سواق طارة لا يعرف إلا توجيه المقود فقط فهو أقل خبرة ، لهذا يصف الواحد نفسه إن كان قليل الخبرة في أي شيء بأنه سواق طارة ، وكأنه يقول لمن حوله لا تسألوني عن بقية هذا الجهاز فأنا لا أعرف فيه شيئا سوى إدارته الخارجية دون الدخول في تفاصيل أخرى. ويقوم السائق عادة بمهمات كثيرة تخدم أهل القرى ، وأهم هذه الخدمات نقل الرسائل من وإلى ذويهم المغتربين في المدن التي يتردد بسيارته بينها ، وفي العادة لا يأخذ على إيصال الرسائل أجرة ولكنهم قد يكرمونه ببعض المال أو يفضلون التعامل معه في السفر مستقبلا نظير إكرامهم بنقل وصاياهم ، كما أن المغتربين يرسلون معه بعض ما يلزم أهلهم أحياناً ويثقون في أمانته . ومن خلال تلك المعاملة نشأت بينه وبين الجميع علاقة ود وتقدير يحافظ هو عليها حتى لا تهتز وهم أيضا يفضلون بقاء تلك العلاقة قوية لمصلحتهم . وماء الشرب أثناء الرحلة والسفر يتم الاستعداد له بوضع عدد من القرب على الجوانب وفي مطارات ( جمع مطَّارة ) وسميت مطارة لأنها تنضح الماء بشكل بائن متتابع يشبه المطر . وهي وعاء من الخام والقماش الخاص بنقل الماء ، كما تزود بتوانك صفيح في مؤخرة صندوقها والوسط . ويعاون السائق شخص يسمونه ( المعاوني ) ، تكون له مهمات عديدة كالإشراف على الركاب والبضائع وإرشاد السائق أثناء رجوعه بالسيارة إلى الخلف ، وإصلاح الكثير من الأعطال وخاصة العجلات و التزود بالوقود الذي يتم عن طريق براميل وبشكل يدوي وأنبوب وتنكة ، كما يقوم بإصلاح الطعام وتجهيز كل شيء للسائق الذي هو أيضا يقوم بالكثير معه ولا يتركه يعمل لوحده وعادة يكون بينه وبين السائق قرابة ما أو معرفة سابقة تشبه الصداقة القوية . وما هي إلا فترة وجيزة حتى انتشر استخدام سيارات الشحن أو اللوري من نوع الشفر وليت وكذلك الفورد والجمس من بعده أو بديل عنه أثر بداية المقاطعة ، فكانت تلك السيارات في الثمانينيات منتشرة في عامة القرى وعند البوادي أيضا يحملون عليها لوازمهم كلها في وسطها وعلى الجوانب وفي ما يمكن التعليق عليه بالإضافة إلى نقل الكثير من أغنامهم . لقد كان الناس في تنقلهم معتادون على الرواحل الحيوانية التي تطعم بالأعشاب و لها مخلفاتها من روث وبول ، وتتعب من المسير حيث إنها أرواح لها طاقتها المعتادة ، لكن هذه الوسائل الآلية ليس لها روح تتعب وليس لها مخلفات من بول وروث وقد قال فيها أي السيارة الشيخ السعدي من باب اللطافة والظرافة وقد ركبها للحج : يا راحلين إلى الحِمى برواحلٍ تطوي الفَلا والبِيد طيِّ المسرع ليست تبول ولا تروث وما لها رُوحٌ تَحِنٌ إلى الربيع المُمْرِع ما استولدت من نوقِنا بل صُنعها من بعض تعليم اللطيف المبدع كم أوصلت دار الحبيب وكم سرت بحمولها نحو الديار الشٌسٌع