عندما تكون النفس تواقة للمعرفة، فهي ستعمل الكثير من أجلها لكي تتمكن من مبتغاها، سالكة السبل التي توصلها إليها حتى ولو كلفتها الكثير , وعندما تستحوذ على المطلوب تفرح به غير أنها تراه مبتورا لأنه لا يخاطب إلا (هي)، في حوار خاص يتنقل في إطاره , فيكون في حالة توسع يحتم على أن يجد فرجة يطل من خلالها على العالم الفسيح المتمثل في الآخر الذي يتلقى هذا التنفس الكامن في عملية البوح التي تكون بالتواصل عبر قناة التوصيل التي تكون بحوزة النفس، فيكون طريق الإبداع هو الأمثل لنقل الاكتناز المعرفي ليكون مشاعا, فينقله من الذات إلى الآخر بالوسيلة الممتلكة لدى صاحب المخزون (=رسم , غناء, شعر, سرد ) وكل شيء يدخل تحت بطانة الإبداع سيسلك هذه السبيل. الرواية فن وهي أداة توصيل تتمتع بكفاءة عالية متى ما كانت هي ذاتها عالية الجودة التي تتأتى إليها من صانعها المتمكن من كتابتها كما ينبغي أن تكتب ليكتب لها النجاح , ومن عمل على الإحاطة بفنه وعرفه حق معرفة تمكن من إنتاجه بقدرة وبرع فيه مرات ومرات , ففي الساحة الثقافية العالمية/المحلية علامات واضحات على ما يؤكد ذلك فيما يُرى ويشاهد من أعمال فنية استولت على أذهان الناس في مساحات مختلفة من أنحاء العالم , وصارت تنقل عبر اللغات لكونها شرائح إنسانية تمثل اهتمامات الإنسان في كل مكان. ما جعلها من أهم الوسائل – قديما وحديثا - لنقل التطلعات والمشاعر . (أخضر ياعود القنا) رواية ثانية صدرت بعد سابقتها ( ميمونة) للقاص والروائي محمود تراوري , الذي دق باب الرواية بأدب ففُتح له واستقبل أحسن استقبال لأنه سلك الطريق الصحيح الموصل الى كتابة الرواية، حيث تعرف على المسالك من خلال القراءة في هذا الفن , وقد كانت محبته للقصة وكتابته من أولوياته التي عني بها وغذاها، فعُرف كاتبا وقاصا متمكنا من أدواته كما تبرهن على ذلك عطاءاته في مجاله الذي توجه إليه بحب تحيط به القناعة والثقة بأنه قادر على التحليق فيه، لكونه تعب في الأساس من أجل أن يجعل البناء يعلو ويتسامى في تتابع زمني توصل من خلاله إلى كتابة اقتنع بها قبل الإفراج عنها فأقنع بها المتلقين الذين استقبلوها بما تستحق من مكانة، كل حسب قدراته الاستيعابية، والحكم في ذلك لمن هو مهيأ لمثل ذلك من قراء ونقاد ومثقفين . تتضح قدرة الكاتب على نقل وتصوير ما يريد هنا , فعندما يتجلى المحب الينبعاوي العتيق في مواله الشجي : جرحي القديم الأولاني أنا كنت راضي به جدد عليه الجديد زادت لهاليبه يابدر حل اللثام للي أنت حالي به أكل البلح حلو ياجميل ولكن النخل عالي به (يسْتكن الخال : ويُهْبر من الموَّال: ( يابدر حل اللثام اللى انت حالييييييبووه) انتبه لا تقول شي : (=صَرْبعْ ) اللقطة الفنية عند محمود تراوري تتجلى شفافة رقيقة بوقتها المناسب الذي تتوجه فيه إلى قلوب الآخرين لكونها مأخوذة من نفس محبة للآخرين، تتوسل للمشاركة لتكون المبهجات مشتركات بين الذات والذات الثانية والثالثة والرابعة و و وما بعد. الصور عندما تتصفحها في الألبوم تنقلك إلى بيئات أخرى خارج الحدود ووراء البحار و(خواجاتية )، ولكنها تلبس الثوب والفوطة , حتى ولو كان الجينز من العلامات الفارقة بالمقلوب, وبدر, والوريا , وميري ,ونداي ,وعبدالله مرشدي وعندما يشهق متعجبا : - أفااا فاز الخال ؟! - لما تفوق تعرف ! «الربوة العالية في الردف يمر بها السفايين، يغنون للبرشومي والغيم يؤطر لوحة الزمان، والفرح البهيج يغمر الطائف كلما ناح زهر الرمان، فرحت أدندن : يا قماري بلا قول لو لو أنا في عرضو وطولو» تمتد مساحة الرؤية إلى مسافات أخرى متباينات تتنقل فيها الروح وهي تحس بمناخات عدة تتبلور في تحرك حلزوني يتمحور حول الذات التي تجسد ما يعتمل فيها بطريقة فنية خالبة, ف (ميمونة =روايته السابقة) تحتك مباشرة بالشخوص والروح في تماثلات مع شخوص عند ريتشارد رايت ,وأليكس هيلي ,و صمبين عثمان كما في ( الصبي الأسود , الجذور , الحوالة ) مع الفوارق، ولا أقول الفارق لكون المناخات والسلوكيات في حالة أخضر ياعود القنا تعود في دائرة التصور والعطاء من خلال المكتسب الثقافي , والقاسم المشترك؛ هو العمل الفني في تقنيته الحديثة . خطرات خطرت على البال بعد قراءة ما سطره قلم الفنان بحق محمود الذي يعمل بصمت .. ولكنه صمت كالكلام .