عندما عرضت قبل مقالين، كتاب بنت النوخذة سيرة ذاتية للسيدة لولوة القطامي ، تلك الرائدة الكويتية ، وعدت بالحديث عن الغلاف ، لوحة للفنان الكويتي الراحل عبد الله القصار، لوحة متشابكة الأفكار ، كل ضربة فيها تنقل الفكر لشيء آخر حتى تكتمل الصورة لدى المتلقي ولا شك أن لكل متلق خياله وتراكماته التي تتسع وتضيق حسب الرؤيا، الخاصة . قبل أن نبدأ باللوحة التي اختارتها القطامي لتزين غلافها( التحدي ) . كان اختيارا موفقا، ففي ذاك الزمن كل حركة تمثل تحدياً، فمواجهة والدها للأسرة وصموده تحد ، إقامتها الفروض الدينية في دير مسيحي تحدٍ قوي ..هناك أيضا تحدي النفس ومجاهدتها في خضم الإغراءات هو تحدٍ أيضا. أعود للفنان ، حسبما قرأت عنه هو خريج مصر وتأثر بالمدرسة التعبيرية.. كان له طابعه المميز وفلسفته الخاصة بالرسم ،ومنها كونه يعمل كما بعض الرسامين على فتفتة الجسم البشري وإعادة تركيبه بالطريقة التي يراها معبرة وموصلة لفكرته بحيث يبعثها برسالة خاصة لأناس خاصين يفهمون في ضرب فرشاته وألوانه وتنقلاتها.. وبذا ينطلق من قيد الأجساد كما يحرر نفسه من قيد الزمن .. كان لابد من المقدمة قبل أن ندخل للوحة إياها ( التحدي ) والتي هي جزء من كل من لوحات الفنان القصار..والتي قد حملت الغرابة والإبهار في الوقت ذاته. لعل المميز فيها: اللون الفيروزي وهو لون أراه جميلا جدا، ولعله اللون الذي اعتدنا أن نراه عند النظر للبحر بعمق أو أن يسرح نظرنا بعيدا عند انحنائه فيمنحنا النظر جمال تعانق البحر بالسماء، وعندما تكون السماء صافية ونمد النظر إلى أبعد نقطة يكون اللون الفيروزي، حراً رحباً منطلقاً لا متناهياً . السلالم وهي كثيرة ، متصلة ومنقطعة ،ومتناثرة .ومكسرة . كل سلم يمكن ان يفسر منفردا، قد يكون بعضها أملاً مقطوعاً ، وبعضها ممكن أن يكون تكسر الحلم ، أما الموصل فكان واضحا نحو ما يشبه السمكة مربطة بالسماء يدخلها السلم .(وللسمك في التراث الكويتي معنى ومغزى لارتباطه بالبحر ) فما بين السماء والأرض حبل يتحور داخل السمكة ويتدلى عبر عينها ، ليحيلني كمتلقية لقول حافظ إبراهيم : (( من رام وصل الشمس حاك خيوطها سبباً لآماله وتعلقا )) وأخيرا ، قمة اللوحة هي رسم سيدة بلا ملامح ، ربما أراد الفنان أن يقول هي كل سيدة مسحوقة، وربما يريد أن يقول لنا هي امرأة نكرة بلا هوية .. وربما غير ذلك ولكن هو يجعلها تتنفس حلما .. وتلهم المتلقي كعادة الشعراء والفنانين فرصة للتخيل . هذه المرأة خالية من الملامح ، هي أيضا بلا يدين ، ويعيدنا ذلك للقول الشعبي المتعارف عليه ( امرأة مقصوصة الجناحين ) ..ولكن هذه السيدة المقصوصة الجناح مغطاة الرأس كله بأغطية ثلاث ملونة لتلف حول جسمها، ويترك لنا صدرها ناهضا وفتحة الصدر المدورة نافذة للتنفس ..هذه المرأة هي امرأة استثنائية ، فهي رغم فقدانها للملامح وقطع ذراعيها، لم يمنعها من أن تصنع لها فكرها الذي تطير به نحو السماء، هذا الطيران الذي تشق به السماء فيروزي لا متناه له .. تشق طريقها، تبني فكرها وتطلقه، مهما تتكسر السلالم وتتقطع فإنها تصنع سلمها وتنتصر لأحلام الفيروز حيث الأمل والحب والخير والرحابة ..يترك في الزاوية اليمنى من اللوحة إناء به بيضة .. هذه الأنثى تضع بيضتها ( ربما أراد لتفقس من جديد .... وستكون بملامح ) وهذا قمة التحدي.