التعليم أساس نهوض الأمم وازدهار حضاراتها، فبالتعليم تبني الدول مستقبلها ويعلو شأنها، وبالتعليم تنمو الأمم وترسم ملامحها بوضوح على خارطة العالم، بمساحتها الجغرافية الصغيرة، لأنها تدرك أن مساحة عقول أبنائها أهم وأثمن من كل "هكتارات" الأرض. إن مملكتنا أدركت أن التعليم ركن أساسي من أركان بناء الدول الحديثة، فأصبح جزءاً من استراتيجياتها لمواجهة المستقبل، فتم تطوير التعليم العام، والنهوض بالتعليم العالي، وإرسال المبتعثين إلى كافة أقطار الدنيا لنهل العلم والارتواء من موارده الصافية أينما كانت. ولأهمية التعليم العالي الأهلي كطرف أساسي داعم للتعليم العالي الحكومي، سمحت الدولة بافتتاح الكليات والجامعات الأهلية، لاستيعاب أبناء المملكة وغيرهم من الراغبين في نهل العلم محلياً دون تحمل عناء السفر، وقد انتشرت بفضل الله، ثم بفضل التوجيهات الملكية السديدة، العديد من منشآت التعليم العالي الأهلية بكافة الفئات والتخصصات في معظم مناطق المملكة الرئيسية. "الرياض" تسلط الضوء على تجربة المملكة في هذا الميدان العلمي الهادف، ونتائج مخرجات هذا القطاع الحيوي ومدى ملاءمتها لسوق العمل، وقدرتها على تحمل مسؤولية بناء الوطن، وهل تتلقى هذه المنشآت الدعم الكافي من المسؤولين؟، وما هي آمال وتطلعات القائمين عليها؟. الأهداف لا تنحصر في تأهيل الطلبة ل«سوق العمل» بل تخريج كوادر « تؤمن » بالتطوير المستمر نشاط غير مسبوق في البداية يقول "أ.د.عبد الله السعادات" -وكيل جامعة الملك فيصل للدراسات العليا والبحث العلمي سابقاً-: إن المتابع لحركة التعليم العالي في المملكة يلحظ نشاط غير مسبوق في التقدم بمسيرة هذا النوع من التعليم ومؤسساته، ففي ظرف سنوات قليلة جداًّ وصل عدد الجامعات نحو (35) جامعة بين حكومية وأهلية، ولا شك أن الانتقال إلى هذا الرقم الذي يعد ضخماً بالمقاييس المحلية إذا ما قورن بالعدد السابق وهو (8) جامعات، لهو مؤشر ليس فقط على اهتمام الدولة أيدها الله بالتعليم العالي ومؤسساته، فهذا أمر مفروغ منه وهو ضمن الأسس التي تبنى عليها خطط التنمية الوطنية، ولكنه أيضاً مؤشر قوي على ازدياد الطلب على التعليم العالي بالمملكة من فئة تمثل ما يصل إلى (70%) من مواطني المملكة، وهم فئة الشباب من الذكور والإناث، والذين شكلوا في السنوات الخمس عشرة الأخيرة، عامل ضغط على الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، لإيجاد الحلول العاجلة لاستيعابهم ومنحهم فرص الالتحاق ببرامج التعليم والتدريب المؤهل لدخول سوق العمل. د.السعادات: أحد منافذ سد «الحاجة الوطنية» د.الخازم: اتجه إلى الكم على حساب الجودة تقويم موضوعي وأضاف: هذه الحاجة الفعلية دعت إلى زيادة فرص الإلتحاق ببرامج التعليم العالي وتنويع منافذ الوصول إليه، وتقرر أن تكون الجامعات الأهلية واحدة من تلك المنافذ لسد الحاجة الوطنية إلى ذلك النوع من التعليم، مبيناً أنه وضعت القواعد المنظمة لإنشاء الجامعات الأهلية ودعمها وتم إنشاء العديد منها في مناطق مختلفة من المملكة، وأصبحت بحمد الله تساهم بشكل واضح ليس فقط في تخفيف الضغط على الجامعات الحكومية، موضحاً أن الجامعات الأهلية بالمملكة تحصد اليوم ثمار جهودها، إذ دفعت عدد منها بأعداد من خريجيها إلى سوق العمل وهو المحك الحقيقي لقياس مخرجاتها والحكم عليها، ذاكراً أنه وإن بنيت التجربة على أسس وتنظيمات متينة ومتابعة حريصة من وزارة التعليم العالي، فهي بحاجة مستمرة إلى التقويم الموضوعي لبرامجها ومخرجاتها. حاجة سوق العمل وأشار إلى أن الجامعات الأهلية بالمملكة وهي في بداية مشوارها تعطي تركيزاً أكثر للتعليم في مقابل البحث العلمي وهو أمر طبيعي، لكنها ستتوجه تدريجياً إلى الطرف الآخر من المعادلة، أي البحث العلمي؛ لأنه من مهام الجامعات، مضيفاً أن ما هو متوقع منها التصدي لإشكالات المجتمع وحاجاته الاجتماعية والاقتصادية والصناعية، خصوصاً إذا ما توجهت إلى برامج الدراسات العليا والتي يشكل البحث العلمي حجر الزاوية فيها، ذاكراً أن عدداً كبيراً من الجامعات الأهلية أو الخاصة المرموقة في العالم تحظى بريادة في مجالي التعليم والبحث العلمي داخل أوطانهم وعلى المستوى الدولي، مشيداً بتجربة الجامعات الأهلية بالمملكة، والتي تم تطبيقها بشكل متأن غير مندفع أو متسرع، ووفقاً لضوابط وإجراءات دقيقة وضعتها وزارة التعليم العالي، والذي ضمن لها إلى حد كبير صلابة القاعدة التي انطلقت منها مشروعات تلك الجامعات، وزرع الثقة في جودة برامجها وخريجيها. د.العبدلي: يجب أن يكون وفق معايير عالمية د.العمران: قدّم تخصصات «علمية نادرة» تفادي السلبيات وأوضح أن جميع المؤشرات تدل على استمرار وزارة التعليم العالي في دعمها المقنن للترخيص لإنشاء الجامعات الأهلية بالمملكة، مضيفاً أن سوق العمل بالمملكة يستوعب أعداداً مليونية من الأيدي العاملة الأجنبية، وهو ما يدل على حاجة المملكة لتأهيل ودفع أعداد كبيرة من المواطنين سنوياً لسد الاحتياج من الكوادر والخبرات الوطنية المؤهلة وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي منها بإذن الله، مشيراً إلى أن التقويم الموضوعي لتلك الجامعات ومستوى أدائها وقيمة نواتجها، سيكون لها أثر بالغ في تقويم تجربتها في المملكة لتثبيت النجاحات وتفادي السلبيات، وكذلك استمرار الموائمة مع التطورات والمستجدات في مجال التعليم العالي وبما ينسجم مع خطط التنمية الوطنية المستقبلية. الكم يغلب الجودة ووصف "د.محمد الخازم" -أحد الكتاب المهتمين بقضايا التعليم العالي- بداية التعليم الأهلي الجامعي بالقوية؛ بسبب الاشتراطات القوية للقبول، بالإضافة إلى كونه بدأ عبر مؤسسات غير ربحية تبنت أهداف واستراتيجيات هادفة، ونشأت عن ذلك عدة كليات وجامعات متميزة منها جامعة الأمير سلطان، وجامعة اليمامة بالرياض، وكلية عفت وكلية دار الحكمة بجدة، وجامعة الأمير محمد بن فهد بالمنطقة الشرقية، مبيناً أنه في السنوات الأخيرة انحرف المسار نحو الكم على حساب الجودة، ونشأت كليات وجامعات عديدة ذات أهداف تجارية ولا تملك عناصر التميز والقوة ولا المبادرات المشجعة، بل وتقدم الحد الأدنى من التعليم، مشيراً إلى أن التعليم الأهلي وضمن العملية التسويقية لبرامجه يحرص على تحقيق متطلبات سوق العمل، رغم إنه لا يوجد لدينا أرقام حقيقة توضح حجم التوظيف لمخرجات التعليم العالي الأهلي بالقطاع الخاص. د.هيفاء: يُعِد جيلاً مؤهلاً «ثقافياً» و«فكرياً» د.آل مفرح: لا نية لافتتاح فروع لجامعات أجنبية تقييم حقيقي للأداء واستعرض ثمار التنافس بين مؤسسات التعليم العالي الأهلي والتي بدأت متنافسة وكانت تتبارى بمبادرات تتجاوز مجرد التدريس التقليدي، عبر برامج شراكات مع جامعات عالمية، وعبر تقديم برامج ثقافية وإثرائية متميزة، لكن هذا التمايز والتنافس بدأ يتقلص بسبب توجهات وزارة التعليم العالي الأخيرة، ودخول السوق كليات وجامعات متواضعة المستوى الأكاديمي، والتي رغم ذلك تحظى بدعم في فرص المنح الدراسية وفي تسهيل مهامها، مما دفع بهذا التنافس في التناقص، بل ولم يعد هناك دافعية لوجود ذلك التنافس، طالما الدعم لا يفرق بين المتميز وغيره، وطالما لا يوجد تقدير لحجم الموظفين من خريجي أية كلية أهلية، بل ولا يوجد تقييم حقيقي للأداء ولا تقدير للمبادرات التطويرية، مطالباً بضرورة وجود رقابة أكثر صرامة على جودة مدخلات ومخرجات التعليم الأهلي، فمنطق السوق يشير إلى أنه سيحدث تنافس يوم ما وسيكون البقاء للأفضل، ولكن ذلك قد لا يبدو قريباً في ظل سياسة الدعم الرسمي وفي ظل انعدام الشفافية والمعايير حول جودة التعليم العالي. جانب من حلقة النقاش التي جمعت طلاب جامعة اليمامة وجامعة هارفرد الأمريكية «أرشيف «الرياض»» تغيير الإستراتيجيات ويرى "د.عبيد العبدلي" -الأستاذ الجامعي بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن- أن التعليم الأهلي قام بدور جيد في فترة زمنية محددة، تمثلت في استيعاب الطلاب غير المقبولين في التعليم العالي الحكومي، في وقت زاد فيه معدل تضخم أعداد الطلاب؛ نتيجة عدم قبولهم في الجامعات الحكومية، وكان التعليم الأهلي وقتها حلاًّ أمامهم، مضيفاً أنه بدأت الجامعات الأهلية مناسبة لهؤلاء، نظراً لتميزهم بمهارات تتفوق على خريجين الجامعات الحكومية، مثل السنة التحضيرية ومهارات اللغة الإنجليزية ومهارات الحاسب الآلي، مشيراً إلى أنه في ظل التوسع الذي يشهده التعليم الحكومي الجامعي، يجب أن يغير التعليم الأهلي إستراتيجياته عن التعليم العام، وذلك باستقطاب الطلبة المميزين، ذاكراً أن التعليم الأهلي توسع إلى (9) جامعات خاصة، و(18) كلية أهلية، وهذا التوسع يجب أن يدفع بوزارة التعليم العالي إلى الاهتمام به من خلال رقابة الجودة على منتجات الجامعات الأهلية الخاصة، والتي يجب أن تكون وفق معايير عالمية في المناهج الأكاديمية وتصميم البرامج والخطط. د.حمد العمران تخصصات نادرة وأوضح "د.حمد العمران" -المستشار بجامعة المجمعة- أن تجربة المملكة في التعليم الأهلي العالي هي امتداد لتجربة التعليم العام الأهلي، من حيث توفر الإمكانيات والمباني الحديثة وأعضاء هيئة التدريس المؤهلين، والتي تمنح الطلبة مستوى عالياً من التعليم المدعم بمهارات اللغة والحاسوب، والتي تتميز بها الجامعات الأهلية من حيث التميز بالطرح التعليمي المميز، والذي يسرع بمستوى الطلبة الجامعيين، مشيراً إلى أن الضرورة تحتم تنافس الجامعات على تقديم تعليم عالمي بهوية محلية، مبيناً أن مستقبل الجامعات الأهلية يكمن في التركيز على نوعيات تخصصات علمية نادرة لا تتوافر في الجامعات الحكومية. د.عبيد العبدلي ثروة بشرية وأكدت "د.هيفاء جمل الليل" -عميدة جامعة عفت الأهلية- على أن معيار التنافس بين الجامعات يكمن في الحصول على جائزة الجودة الشاملة، من خلال سمات للتنافس تميز نظام التعليم في الجامعات الرائدة عن غيرها، والتي من أبرزها أن يكون هدف المؤسسة التعليمية ليس تأهيل الطلبة لسوق العمل، بل لتخريج كوادر مثقفة قادرة على صناعة التغيير في المجتمع وتؤمن بالتطوير المستمر والنقد الذاتي، مبينةً أن الطلبة هم الأولوية الأولى في المؤسسة التعليمية، وأنهم شركاء أساسيين في تطوير تلك المؤسسة، مشيرةً إلى أن نجاح أي جامعة حول العالم يبدأ من الاهتمام بثروتها البشرية الحقيقة، وهو تقديم مصلحة الطالب وتطوره العلمي، ورفع مستوى وعيه وثقافته، إلى جانب احتواء أفكاره التنموية والبحثية اليافعة، واستخدام الوسائل العالمية للتسابق في إيصال المعلومة إليه، ذاكرةً أن التعليم الجامعي الأهلي هو أحد روافد التعليم العالي، فالنظرة المستقبلية له ممتدة من رؤية التعليم العالي، وذلك من خلال إعداد مواطنين أكفاء مؤهلين علمياً وفكرياً تأهيلاً عالياً لأداء واجبهم في خدمة دينهم ووطنهم، وإتاحة الفرصة أمام المؤهلين للدراسات العليا في التخصصات العلمية المختلفة للقيام بدور إيجابي في ميدان البحث العلمي الموجه لخدمة المجتمع، وكذلك الاحتياجات الوطنية في مجالات الطب والهندسة والعلوم الحيوي والإنسانية. د.أحمد آل مفرح أثبتت نجاحها وأوضح "د.أحمد آل مفرح" -رئيس لجنة الشؤون التعليمية والبحث العلمي بمجلس الشورى- أن تجربة التعليم الأهلي أثبتت نجاحها، والاستثمار فيها مدعوم بشكل جيد عبر برامج الإبتعاث الداخلي للطلاب، مضيفاً أنها تفي باحتياجات سوق العمل، وتتميز بكليات تتوائم مع سوق العمل، رغم الهدف الربحي الذي تسعي إليه، نظراً لنوعية الطلاب المقتدرين مادياً والمسجلين في سجلاته ومنهم المبتعثين من قبل الدولة عبر برامج الإبتعاث الداخلي، والذي يعتبر أحد أهم مصادر الدعم للتعليم الأهلي ويمنح الفرصة لأن يتعلم الطالب قريبا من أهله، مؤكداً على أن وجود التعليم الأهلي القوي سيرفع من مستوى التنافس بين الجامعات الحكومية ومسيرة التعليم العالي بالمملكة، والتي تعتبر إحدى الثمار المهمة له بعيداً عن المنظار الربحي، مما سيرفع من مستوي الجودة، بالإضافة إلى نوع آخر من التنافس الذي يصب في مصلحة الطلاب عبر البرامج التعليمية المقدمة، والتي ستدفع بالتنافس إلى مرافق الجامعات الأخرى. د.هيفاء جمل الليل الاستثمار مكلف ونفى أن يكون هناك نية لافتتاح فروع لجامعات أجنبية في المملكة؛ لأن ذلك يعني وجود قصور واضح في تعليمنا المحلي، وهذا منافي للحقيقة، لافتاً إلى أنه ربما يكون هناك مستقبلا شراكات بين الجامعات الأهلية والحكومية مع جامعات عريقة قائمة على الندية، وذلك بأن نأخذ ما يناسبنا ويستفيد الطرف الآخر مما لدينا، داعياً إلى ضرورة قبول الطلاب المقيمين في جامعتنا الحكومية العريقة برسوم مادية؛ لأن لديها ما يؤهلها بأن تستقطب الكفاءات أو من خلال برامج الابتعاث الداخلي والذي تدعمه الحكومة بسخاء، موضحاً أن رسوم التسجيل بالجامعات الأهلية مرتفعة؛ نظراً لأن الاستثمار في هذا القطاع مكلف بشكل كبير، والذي يتميز بنوعية الجودة العالية في البرامج، واختيار أعضاء هيئة التدريس وتكلفة المعامل وتجهيزاتها. د.محمد الخازم