في أجواء الربيع الخيالية التي تحياها مدينة الرياض هذه الأيام يصبح الحديث عن الهموم ضرباً من البطر وجحد النعمة، خاصة في الرياض ، هذه المدينة المسكونة بالغبار والحرارة والتعب ، و مع ذلك نحبها ..! نتلقى هداياها البسيطة بفرح الصغار .. يوم مطير تعزف قطراته على هياكل المكيفات المعدنية و تطرق ببداوة نوافذنا المغلقة و تتسلل نحو أنوفنا رائحة ذرات الغبار المعجونة بماء السماء الطاهر فنحك أنوفنا و تنشرح منا الصدور .. أو نسمات عابرة باردة تفيض شقاوة و تتيه دلالا تتوشح الابنية وتمارس رقصا إيقاعيا على الطرق الإسفلتية، تطل علينا من نوافذ سياراتنا شبه المظللة، تبتسم بلطف فلا نملك إلا أن نفتح لها الزجاج لتنثال بروعتها تلثم وجوهنا و تعابث ملابسنا .. أو مساء هادئ لا يقبل القسمة على اثنين تفترش سماءه نجوم مسالمة تغفو حينا و تصحو حينا .. غمغماتها الضوئية برقيات بلغة موريس يمكن فقط لمن يملك جهاز استقبال قراءتها ! أو فجر ندي يترقرق فيه صوت مؤذن يغالب نعاساً، فتبتسم رغما عنك حين يقلب الصاد سينا و التاء المربوطة طاء ليخبرك بإصرار بأن "السلاط " خير من النوم .. فجر قلما نحظى بمثله في رياضنا المرهقة دوما، تتسابق فيه خطوط الصبح مع ستائر الضباب الشفيف ، ضباب كريم حسن الطباع .. يلملم ستائره على عجل ليمنح للضوء الساطع فسحة من فضاء ، و صباح مهذب لا يفرض حرارة و لا يساوم الناس على المرور بلسعة شمس أو سوط لهيب .. هدايا بسيطة ، لا تمكث أسبوعا و لا حتى نصفه ، لكنها حين تأتي تتضاعف قيمتها ألف مرة .. يطول يومها ليصبح بحجم الشوق لشيء مختلف ، لملعقة سكر إضافية تخفي مرارة صبر أو انتظار قد طال كثيرا ... هذه هي الرياض حين تصفو .. حين تصفح و تزيل عن وجهها آثار الزينة المصطنعة ، حين تغسل وجهها بالرحمن و ترفع رأسها مبتسمة و تحتضن ببراءة كل قاطنيها و أنا منهم .. لكنها للأسف ساعات قليلة و تنتهي فهل من الحكمة أن نناقش هموما و نطرح مشاكل و نتنهد وجعا في مثل هذه الأيام النادرة عوضا عن أن نقول يارب فرج كل كربة و حقق كل أمل وهب كل محتاج ؟ لا أظن !