في معظم الحالات، وعطفاً على أنماط الاستهلاك السائدة في المجتمع، تعد القروض حلولا قصيرة الأجل تخلق مشاكل طويلة الأجل. فهل ينطبق ذلك على المنظومة المالية (نظام التمويل العقاري، ونظام مراقبة شركات التمويل، ونظام الإيجار التمويلي، ونظام الرهن العقاري، ونظام قضاء التنفيذ)؟ الكل يتفق على أن الوقت ليس سلعة مجانية، وقد يرى البعض أن تأخير إقرار المنظومة المالية هو تأخير للمواجهة. وبالتأكيد، سيترتب على إقرار المنظومة نتائج إيجابية وسلبية على القطاع العقاري في المملكة. لكن: ما هي الآثار الإيجابية والسلبية للمنظومة المالية على السوق العقارية؟ هل ستفلح عمليات التدقيق والدراسة والمشاورات والمداولات حول المنظومة المالية في تقليل آثارها السلبية وتعظيم المنافع من إقرارها؟ هل ستساهم المنظومة المالية في رفع نسبة تملك المواطنين لمساكنهم؟ هل سيبكي السعوديون على الوضع القائم للسوق العقارية بعد إقرار المنظومة المالية؟ تحيط بهذه الأسئلة حالة من عدم التأكد واليقين، ويُستغرب من بعض المحللين جزمهم بمعرفة النتائج في الوقت الذي لا تتوافر فيه إجابة دقيقة عن هذه الأسئلة لدى وزير المالية، ومحافظ مؤسسة النقد، ووزير الإسكان، وكبار العقاريين.. الخ، خصوصاً الأسئلة المتعلقة بمستقبل السوق العقارية واحتمال نشوء فقاعات في كافة مدن المملكة لا يعرف حجمها ومداها الزمني. التريث سيد الموقف، وحكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز –حفظه الله- حريصة على مصلحة المواطن، وغير قلقة بشأن القطاع المصرفي أو كبار العقاريين. وتسعى لضمان أن تساهم المنظومة المالية في توفير السكن الملائم للمواطن وأن تكون وسيلة لعلاج أزمة الإسكان. وقد اتخذت الحكومة قرارات على مستوى الأزمة، فرفعت قرض صندوق التنمية العقارية من 300 ألف ريال إلى 500 ألف ريال، ووجّه خادم الحرمين الشريفين ببناء 500 ألف وحدة سكنية خلال الخمس سنوات القادمة في كافة مدن المملكة. وبكل تأكيد، ستملأ المنظومة المالية فراغاً تشريعياً وستساهم في توفير مصادر تمويل إضافية أقل عشوائية مما هي عليه الآن، وسيخضع سوق التمويل العقاري لإشراف جهة رقابية. ويتوقع أن يؤدي ذلك إلى ضخ استثمارات إضافية للسوق العقارية في المملكة. لكن هل ستتجه هذه الاستثمارات إلى بناء وحدات سكنية داخل النطاق العمراني، أم إلى عقار المضاربة في أطراف المدن الرئيسة؟ يدرك القائمون على إعداد المنظومة المالية أهمية توجيه الاستثمارات نحو بناء وحدات سكنية تساهم في رفع نسبة تملك المواطنين لمساكنهم وزيادة المعروض من الوحدات السكنية لتخفيض تكلفة الإيجار، وإطفاء حدة الضغوط التضخمية. ولن تكون المنظومة المالية وسيلة لتوجيه الاستثمارات نحو عقارات المضاربة في المناطق النائية التي لا يتجه إليها الناس وإنما تتوجه إليها السيولة. لكن: هناك خشية من أن يُبالغ الأفراد في توقعاتهم بارتفاع أسعار العقار ويفرطوا في طلب قروض تدخلهم في مقامرات غير محسوبة العواقب. وهنا لا بد من التأكيد على أهمية إدراك الأفراد لطبيعة التزاماتهم القانونية قبل توقيع عقود التمويل العقاري، أو الإيجار التمويلي، أو الرهن العقاري. وينبغي في المرحلة الأولى من صدور المنظومة المالية التشديد في منح التراخيص للشركات الراغبة في مزاولة النشاط حتى تتضح الرؤيا بشكل أفضل للجهة الإشرافية المعنية بمراقبة تنفيذ المنظومة. *مستشار اقتصادي