قرأت مقالات كثيرة عن الفساد، نادرا ما كنت أرى شيئا عن النزاهة! كما يقال: لا داعي لشتم الظلام إذا كان بالإمكان إشعال شمعة تضيء المكان. إن بذور النزاهة التي تزرع في أرجاء المجتمع سوف تصبح أشجارا وارفة تنعم بظلها وتقطف ثمارها الأجيال. المشكلة ببساطة أن الفساد عندما يصبح "قيمة مقبولة" في المجتمع يتغلغل في النسيج الثقافي والأخلاقي ويصبح مع مرور الوقت داء مستعصيا لن تجدي معه لقاحات الرقابة ولا أدوية التتبع ولا حتى عمليات المحاسبة. الأخلاق هي القاعدة الحقيقية التي يجب أن تنطلق منها حضارتنا، عندما يتلقى الطفل الصغير دروسه الأولى في المدرسة يتم تلقينه مفردات الحلال والحرام والثواب والعقاب، وعندما يكبر ويغادر المدرسة قد يمارس جميع أصناف الكذب والغش والخداع. إن القاعدة الأخلاقية الهشة هي التي تصور للبشر أن النزاهة مجرد أسطورة من المثاليات التي لا يمكن ملامستها على أرض الواقع، وبذلك الإيهام الخاطئ يبتعد الناس شيئا فشيئا عن دروب الاستقامة والنزاهة مع أنهم يعلمون جيدا - من خلال تعاليم دينهم - أن تلك الدروب هي دروب النقاء والطهارة والنجاة. إن تنمية النزاهة ورعايتها وتشجيع أهلها أمر في غاية الأهمية، تخيلوا مدينة أفلاطونية فاضلة فيها المسئول نزيه والموظف نزيه والإداري نزيه والقاضي نزيه والتاجر نزيه والصحفي نزيه والعامل نزيه. الإداري الناجح هو الذي يجمع الكفاءة مع النزاهة، أما الرجل العالم فلا يغنيه علمه إذا افتقد فضيلة النزاهة بل يصبح خطرا كبيرا عليه وعلى الآخرين. إن قوة الأمم تكمن في نزاهتها وصدقها في مبادئها، النزاهة لا تحتاج إلى قوانين أو تنظيمات لأنها تنبع من القلوب الصافية، يكون الفرد نزيها عندما يعمل بصدق وإخلاص، ويعف عن المكاسب غير المشروعة، وينأى بنفسه عن إيذاء الناس، عندما يواجه الحقيقة كما هي ولا يكترث بالنقد أو الإقصاء، عندما يقول رأيه بتجرد وأمانه بعيدا عن التأثر بالضغوط أو المصالح الشخصية، عندما يكسب باستقامته وحسن سيرته ونقاء سريرته ثقة الناس وودهم واحترامهم.