على ما يبدو أن حديثنا قبل نحو أسبوعين عن مخطط إسرائيلي يستهدف إعادة تقسيم المنطقة من جديد وإحياء فكرة إقامة دويلات جديدة في منطقة الشرق الأوسط لم يكن كما اعتقد البعض نسج خيال أو درباً من دروب الوهم أو افتراء على إسرائيل. فبعد ما كتبناه هنا قامت صحيفة هآرتس الإسرائيلية بطرح هذه القضية والحديث عنها وبتوسع في سياق تقرير خاص أعده أحد كبار محللي الصحيفة للشؤون السياسية وهو الكاتب المعروف ألوف بن الذي تحدث عما أسماه بتوجه إسرائيلي لرسم ملامح الخريطة العربية الجديدة على ضوء المظاهرات المتصاعدة، وتقسيم العالم العربي إلى دويلات صغيرة، استهله بتأكيده على أن الثورات والحروب التي تشهدها الدول العربية حالياً لن تؤدي إلى تغيير الأنظمة الحاكمة فحسب، بل والى إعادة تصميم خريطة المنطقة كلها. مشيراً إلى أن منظومة الحدود بين تلك الدول، التي كانت إرث القوى العظمى الاستعمارية التي تقاسمت فيما بينها أفريقيا وقطعت أوصال الإمبراطورية العثمانية، توشك على التغيير , قائلاً "ها هي صراعات البقاء تبشر بالنهاية القريبة لاتفاق سايكس بيكو من الحرب العالمية الأولى- الذي نشأ عنه التقسيم السياسي للشرق الأوسط , ومؤكداً على أنه خلال السنوات القريبة القادمة ستظهر على خريطة المنطقة أعلام دول مستقلة جديدة، أو متجددة: جنوب السودان، كردستان، فلسطين، بل وربما دويلة مستقلة في شرقي ليبيا، الصحراء الغربية التي ستنفصل عن المغرب، جنوب اليمن المستعاد وإمارات في منطقة الخليج تنفصل عن الاتحاد. الأخطر من ذلك أن الكاتب الإسرائيلي ذاته راح يتحدث عما أسماه باحتمالات تقسيم المقدس عن المادي في الشرق، كما تحدث عن تقسيم بعض الدول مذهبيا، وقال إنه على ضوء ذلك سيكون التقسيم مبدأ أساسياً لتقرير مصير الشعوب والقبائل فى الوطن العربي. ووصف الكاتب الإسرائيلي الخريطة الجديدة بأنها ستؤدي إلى بناء منظومة علاقات جديدة بين دول المنطقة، وتحمل فى ذات الوقت فرصاً كبيرة لإسرائيل، التي قامت سياستها الخارجية على النزاعات بين الجيران العرب والمسلمين , زاعماً أن الوحدة العربية والإسلامية تعتمد بقدر كبير على العداء لإسرائيل، لذا تفضل تل أبيب لهذا الغرض القوميات المنفصلة لجيرانها، فكلما كانت دولاً أكثر في المحيط، سيسهل عليها المناورة بينها. وأشار ألوف بن إلى أن الحدود في منطقة الشرق الأوسط وضعت خلال المفاوضات بين القوى العظمى الأوروبية، والتي أدارها موظفون بربطات عنق في قصور فاخرة، بينما إعادة ترسيمها في القرن الواحد والعشرين تم بالقوة، بالحروب وبالثورات الشعبية؛ هذا الاتجاه بدأ مع الغزو الأمريكي للعراق، قبل ثمان سنوات، والذي حطم الحكم المركزي لصالح الجيوب العرقية، وتواصل مع الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، الذي تمخض عنه إقامة دولة بالفعل تحت سيطرة حماس؛ ومع الاستفتاء الشعبي حول تقسيم السودان بعد حرب أهلية طويلة ووحشية. ونقل الكاتب الإسرائيلي بن فرج قانا الباحث في صندوق أمريكا الجديد بواشنطن، توقعه بتكاثر الدول واقتراحه على القوى العظمى مساعدة الدول الجديدة وعدم عرقلة مسيرتها , وقال بن إن الباحث المذكور سبق له وأن توقع في كتابه 'كيف يدار العالم' الذي صدر عشية الثورات في تونس وفي مصر، ولادة منظومة دولية يكون فيها 300 دولة مستقلة وسيادية، مقابل نحو 200دولة قائمة اليوم. المؤكد أن ما طرحه الكاتب الإسرائيلي والباحث الأمريكي ليس وليد أفكار ذاتية منهما ولكن من المؤكد أنه أمر ما يدبر في الخفاء ويحاك بشكل سري ضد عالمنا العربي والإسلامي وعلى هذا الأساس فإنه يجب علينا بقدر الإمكان الاستفاضة في كشف مخططات هؤلاء وفضحها طالما تيسر لنا ذلك حتى لا نجد أنفسنا فجأة أمام منطقة جديدة ممزقة الأوصال ومتناحرة يحارب كل طرف فيها الطرف الآخر، وتبقى إسرائيل للأبد تعبث في مقدرات أوطننا. أخيراً فإن الحل لازال في أيدينا عبر الإسراع بعلاج مواطن الضعف والخلل في أوطاننا وإيجاد طريقة سريعة وناجعة لحل ما يمكن حله من أزمات طائفية وعرقية ودينية في بلادنا وهو أمر أعتقد كما يعتقد غيري أنه في إمكاننا حتى الآن.