أثنى عدد من الفقهاء المتخصصين على الخطوة الكبيرة التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بشأن إنشاء مجمع فقهي سعودي، مؤكدين في حديثهم ل"الرياض" على أن هذا المجمع سيكون "منارة علم" يختص بالأبحاث الفقهية المتعمقة المؤصلة فيما يخص الشأن المحلي فقهيًا وشرعيًا، مخففاً بذلك العبأ على هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء، مشيرين إلى أن المجمع سيكون مخصصاً للأبحاث الفقهية التي تنطلق من المملكة وتختص بالشأن المحلي، ليستفيد منها أبناء المملكة والعالم الإسلامي. تحديات كبيرة في البداية يقول الشيخ "صالح آل الشيخ" -وزير الشؤون الاسلامية-: أشكر خادم الحرمين الشريفين على هذه اللمسة الحانية التي هي من معالم القيادة القوية، ومعالم الحكم الرشيد الذي نطلبه ويطلبه المخلصون دائماً، مضيفاً أن المجتمع أمامه تحديات كبيرة معتمدة على الجانب الفكري في القضايا الكبرى والقضايا الجزئية، وأنه لابد من رفع مستوى التداول والبحث في هذه القضايا ليشمل فئة كبيرة من العلماء والمتخصصين في الفقه الإسلامي، ذاكراً أن هناك مجمعاً فقهياً متفرعاً من منظمة المؤتمر الإسلامي، وهناك مجمع فقهي متفرع من رابطة العالم الإسلامي، لكن لها صفة العمومية على العالم الإسلامي والشعوب، وهذا مجمع فقهي خاص بالمملكة؛ ليعنى بهذه الأطروحات الفقهية الكثيرة التي يتكلم عنها المجتمع المحلي، ويكون أكثر فاعلية في التعاطي مع ما يطرح من مسائل فقهية. رؤية مستقبلية وأضاف أن المسائل الفقهية نوعين: مسائل فقهية كلية ومسائل فقهية جزئية، مبيناً أن المسائل الفقهية الكلية متعلقة بالنظم الكبرى التي يعتمد عليها المجتمع، مثل النظام الاقتصادي ونظام العدالة وما أشبه ذلك، وهذه نظم حقيقة يجب أن يسلط عليها الضوء، حتى يكون هناك أيضاً تطوير منوع للمستقبل، لاعتماد البلد على نظم مكتوبة ومدروسة ودراستها من هيئة متخصصة، أو مجمع متخصص، أو خبراء درسوها وأقرها أهل العلم، ثم أقرتها القيادة وأقرها ولاة الأمور، مشيراً إلى أن ذلك يعطي ثباتاً للرؤية المستقبلية للدولة؛ لأنه في الحقيقة هناك تساؤل دائم بين معطيات الفقه الإسلامي ومعطيات الفقه الحضاري، فتنزيل الفقه الإسلامي على الفقه الحضاري هذه إشكالية لم تحل بعد في مجتمعنا، ذاكراً أن هناك إسهاماً كبيراً لهيئة كبار العلماء ولأساتذة في الشريعة عبر رسائل جامعية في حل كثير من هذه المعضلات، خاصةً في مجال الاقتصاد وفي مجال المبادئ العامة في العدالة وفي المال العام وفي محاربة أنواع الفساد، وكذلك في نظام الأسرة، وفي رعاية المرأة وحقوقها. مجتمع متحضر وأوضح أن المجتمع أصبح متحضراً وخالط المجتمعات العربية والإسلامية والعالمية، وأصبح يطلع عبر الكتب أو عبر الوسائل و"الانترنت"، أو عبر الحوارات في الفضائيات، وارتفع مستوى الإدراك عنده في كثير من المسائل سواء في النظام السياسي، أو في نظام العدالة، أو في نظام المال العام، أو حتى في النظام الإداري لمؤسسات الدولة، أو نحو المؤسسات، مؤسسة العمل العام في الدولة، فصار الحديث كثيراً حول هذه المسائل، لكنه حديث كان نابعاً في بعض الاجتهادات البسيطة غير العميقة، وأيضاً لم ينظر فيها إلى أساس المملكة وما كانت عليه من النظام الإسلامي، مشيراً إلى أن أثر هذه اللفتة الكريمة من خادم الحرمين الشريفين والأمور الملكية، والأمر بدراسة إنشاء مجمع فقهي خلال خمسة أشهر، سيكون نقلة لمزيد من التحضر في أنظمتنا في الدولة، وتطوير الأداء العام. حدث تاريخي وأشاد "أ.د.عبدالرحمن الزيد" -الأمين المساعد لرابطة العالم الإسلامي- بالقرار الذي أصدره الملك عبدالله بن عبدالعزيز بشأن إنشاء المجمع الفقهي السعودي، مؤكداً على أن إنشاء هذا المجمع يعتبر حدثاً تاريخياً مهماً في مسيرة الفقه وخدمته الشريفة الإسلامية، وإثراء العمل بذلك وتنظيم أعمال الفتوى الجماعية، مبيناً أن إنشاء هذا المجمع ليتعامل مع المجامع الفقهية التي تتلقى الدعم المتواصل من خادم الحرمين الشريفين، وفي المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي، الذي يعتبر أول مجمع فقهي أنشأ في العالم الإسلامي ثم مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، مشيراً إلى أن إنشاء المجمع الفقهي السعودي سوف يقوي اتجاه الاجتهاد الجماعي الذي سيسهم في تحقيق التعاون والعمل بما يرضي الله ورسوله وأولي الأمر لقوله سبحانه وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسل وأولي الأمر منكم". التصدي للفتاوى المفرطة وأضاف: لاشك أن هذا المجمع سوف يتواصل مع المجمعين الفقهين الموجودين في كل من مكةالمكرمةوجدة، ومن المتوقع أن يثمر عن ذلك جهد مشترك في التصدي للنوازل وما يستجد في حياة المسلمين، بالإضافة إلى جمع الأمة على الفتاوى الجماعية بدلاً من الفردية، ولا سيما في القضايا الكبرى، مبيناً أنه من المرتقب أن يتصدى هذا المجمع بشكل قوي وواضح للفتاوى المفرطة، وللفكر الشاذ الذي مازال بحاجة إلى مواجه وعلاج، داعياً الخالق أن يجزي خادم الحرمين الشريفين بعظيم الثواب على أمره الكريم بإنشاء هذا المجمع، وأن يجعل ذلك في موازينه يوم القيامة. منافع شرعية وقال "د.عبدالله المصلح" -الأمين العالم لهيئة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة والمطهرة في رابطة العالم الإسلامي-: إن هناك فوائد جليلة ومنافع شرعية عظيمة للمجمع الفقهي السعودي الذي أمر به خادم الحرمين الشريفين، مضيفاً أن اجتماع فريق من العلماء ليبذلوا وسعهم وجهدهم في هذا المجمع بالنظر والدراسة، وليجروا المناقشات العلمية على مستوى عال من الانضباط والتخصص، وليتحاوروا في أحكام القضايا المراد بحثها للتواصل إلى الاختيارات المقبولة من بين الآراء المتعددة في المسائل العلمية، وصولاً إلى تحصيل ما يناسب من حكم شرعي يصدر عن مجموعهم بعد التحقق والتمحيص والتدقيق، وهو ما يؤدي إلى ضبط الفتاوى ويوصد كل باب مفتوح أمام الفوضى، فضلاً عن أنه من خلال هذا المجمع سيتم الرد على الفتاوى المخالفة لثوابت الدين وقواعد الاجتهاد المعتبرة وما استقر من مذاهب العلماء بغير دليل شرعي معتبر، مشيراً إلى أنه في الفترة التالية لعهد العلماء الجهابذة أمثال الشيخ "عبدالله بن حميد" والشيخ "عبدالعزيز بن باز" والشيخ "محمد صالح العثيمين" وغيرهم، كان قد تسور بعض من منسوبي العلم الشرعي محراب الفتوى، وأفتوا في عدد من القضايا دون إمعان النظر في المآلات والعواقب، بل وتناقلت فتاواهم وسائل الإعلام بشغف وإثارة، والتي تسببت في تشويش كبير، ونالت من سمعة علماء الدين وأضاعت أوقات كثيرة منهم سدى في الإنكار والرد، ثم تراجع عن تلك الفتاوى مصدروها من غير تأسف ولا تندم. جامعة علمية وأكد على أن إنشاء المجمع سينهض بالمستوى العلمي والديني والعملي ليس فقط في المملكة، بل في العالم، للثقة الكبيرة التي يتبوؤها علماء هذه البلاد الطيبة وهيئاتها الدينية، وسيكون المجمع جامعة علمية تخرج مئات المجتهدين في الفقه الإسلامي، مما سيكون له واسع الأثر في حدوث نهضة فقهية عظيمة تعمل على تجديد الفقه الإسلامي وتطويره، بالاعتماد على الأدلة والقواعد الشرعية، وسينعكس أثره ليس على الحياة الدينية فقط، بل على جميع نواحي الحياة. تعزير البحث العلمي وذكر "د.أحمد البناني" -أستاذ العقيدة وأصول الدين بكلية الدعوة بجامعة أم القرى- أن تعزيز البحث العلمي الفقهي بإنشاء مجمع فقهي سعودي كما أمر بذلك خادم الحرمين الشريفين رعاه الله، لهو من أعظم وسائل خدمة الدين الإسلامي الحنيف، لما في ذلك من فرص لإظهار مكنونات النصوص الشرعية مما يتناسب مع مستجدات هذا العصر، وما يستقبل من الزمان في ضوء ما استجد من تطورات في جميع مجالات الحياة، مما لم يطلع عليه أسلافنا ولا خطر لهم على بال، مع ظهور الحاجة الماسة لمعرفة الحكم الشرعي فيه، مشيراً إلى أن هذا المجمع بحول الله وقوته، سيكون أثره الفعال بجوار سائر المجامع الفقهية القائمة اليوم في العالم الإسلامي، ليشد بعضها أزر بعض، وتتعاون جميعها على ما فيه خير المسلمين. أ.د.عبد الرحمن الزيد د.أحمد البناني د.عبدالله المصلح