ليس كل من يستدين هو ممن يجري وراء المظاهر ويبحث عن المتعة المؤقتة، فهناك من الناس من تجبرهم ظروفهم على الاستدانة، ليصبحوا هم أنفسهم ضحايا مجتمع استهلاكي ينفق أكثر مما يكسب، وقد تجبرنا الظروف الحياتية ومتطلباتها على العديد من الأمور التي لا نرغب بها، وقد تؤدي بنا في نهاية المطاف إلى أمور لا تُحمد عقباها، من سجن وأمراض نفسية وبدنية واكتئاب وقلق، إضافةً إلى سوء العلاقات الاجتماعية، وتفكك الأواصر بين الأهل والأصدقاء، ليبقى «الدّين» مهما كان سببه، هو «هَم بالليل» و»ذُل بالنهار». يقول «عادل علي» -42 عاماً-: أمر بظروف صعبة نتيجة متطلبات الحياة وغلاء المعيشة وكثرة الأبناء، الأمر الذي أجبرني على الاقتراض المستمر، مضيفاً أن ديونه تجاوزت (400) ألف ريال، بينما راتبه لا يتجاوز (9000) ريال، جزء منه للإيجار، وجزء آخر للديون، إلى جانب مستلزمات الحياة من فواتير ومواد غذائية وكسوة الأبناء وغيرها، مشيراً إلى أن ذلك يجعل تفكير الرجل مستمر في كيفية توفير حياة كريمة لا تؤثر على أبنائه، مؤكداً على أن كل تلك الأمور كانت كافية لتصيبه بداء «الضغط» و»الاكتئاب». ويوضح «عبدالرحمن الروقي» -33 عاماً- أنه فقد المتعة بزواجه؛ بسبب تراكم الديون وتعدد المسؤوليات، مضيفاً أن زواجه أجبره على الاقتراض والتدين، مما جعله يتحاشى الخروج من المنزل مع زوجته؛ كي لا يصادف أحد ممن يطالبه فيحرجه أمامها، مشيراً إلى أن ذلك انعكس على علاقته معها، حيث إنه كلما طالبه أحد أو حان موعد السداد، فإنه يربط ذلك بالزواج وتكاليفه، لينعكس الأمر على علاقتهما، وعدم الحديث معها. ويصف «عمر خالد» -60 عاماً- حالته بالصعبة، فلو كانت ديونه لأجله لكان أهون على نفسه أن يتحمل المذلة، ولكنها جاءت بسبب شقيقه الأكبر، والذي كان يبدد أمواله بالسفر المستمر والزواج المتعدد، مضيفاً أن ذلك تسبب في إهمال لأبنائه، وموضحاً أنه لم يجد أي كلمة شكر أو عرفان من شقيقه، ليخسر زوجته بسبب الديون المتراكمة والتي لم يكن له فيها أي نصيب!. ولم تكن الديون فقط من نصيب الرجال بل امتدت لتطال النساء والأرامل والمطلقات، حيث تقول «وفاء عبد الله» -55 عاماً-: بعد وفاة زوجي أجبرتني ظروف المعيشة على الاستدانة، حيث إن راتب الضمان لا يكفي لسد بعض من احتياجاتنا الأساسية، فلدي أربع من البنات وكلهن مراهقات، مضيفةً: «أرهقتني مطالبهن، ولا أستطيع أن ألومهن، فهن لازلن يرغبن بالحياة ويردن الحياة الكريمة المرفهة»، مشيرةً إلى أن كل تلك الأمور دعتها للاستدانة من الأهل والجيران، مما جعلها تفقد علاقاتها بشقيقتها الكبرى؛ نظراً لأنها لم تستطع تسديد المال التي أخذته منها. وتؤيدها «شمعة محمد» -40 عاماً- في أن ظروف الحياة جعلتها تلعق الصِبر مع أبنائها الستة، وذلك في غياب والديها وطلاقها من زوجها المتنكر لأبنائه، قائلةً: اضطررت للاستدانة من أُخوتي لأحصل على منزل يؤويني وأبنائي، حيث أن راتبي يذهب في تسديد القروض والديون ومتطلبات الحياة اليومية من أكل وشرب وترفيه، مضيفةً أنها فقدت صديقاتها، بل وأصبحن لا يجبن على اتصالاتها بهن، لعلمهن بأنني سأقترض منهن مبلغ من المال، موضحةً أن حياتها أصبحت شاقة، خاصةً أن أبنائها بدأوا يكبرون وتكبر معهم متطلباتهم ورغباتهم، لافتةً إلى أن كل تلك الأمور أصابها ب»الضغط» و»السكر» و»ضعف عضلة القلب»، ذاكرةً أن صدمتها بزوجها السابق، ووفاة والدها وتراكم الديون حولها، جعل منها امرأة «مكلومة» و»تعيسة» يلفها الكآبة وتحيط بها الأمراض.