في طريقه إلى مدينة حائل نشب خلاف بين الرحالة الانجليزي تشارلز داوتي وبين الدليل والمتعهد بإيصاله إلى حائل ( الدليلة نصر ) عنما قرر نصر الذي قبض أجرا قدره ( ريالا واحدا ) التخلي عنه في عرض الصحراء والانضمام إلى جماعته المسافرين إلى هناك مع الامتناع عن رد ثمن الأجرة المدفوع مسبقا مما اوقع الرحالة المنهك والمهدد من قطاع الطرق وسباع جبال أجا في موقف صعب لم ينقذه سوى رؤيته اطلال قرية ( موقق ) غرب حائل ومقابلة شيخها آنذاك ( لم يذكر اسمه ) والذي انصفه وألزم الدليل بالالتزام بعهده او رد قيمة الأجر بعد ان مكث هناك بعض الوقت ونقل بعض مشاهداته عن القرية البائسة آنذك والمدينة الجميلة حاليا بطبيعتها ورحابة اهلها والتي وإن كانت لا تزال مركزا يتبعه العديد من المراكز إلا أنها تأخذ شكلا بل تستحق ان ترقى إلى محافظة والتي كانت وفق ما قال عنها قبل ( 133 ) : ذهبت سيرا على القدمين اسوق ناقتي الواهنة بخطو بطئ . إلى أن لمحت أولى هامات النخيل، والخطوط الخضراء من بساتين ( الموقق ) أخيرا ابصرت الدليلة نصر الذي كان قد سبقني عائدا لملاقاتي ، عند دخول المكان سقطت ناقتي منهكة القوى وهي تجأر لكن نصرا رفعها وهو يلطمها بلطمات موجعة فدخلنا موقق حوالي الساعة الواحدة بعد الظهر ، ودهشت لرؤية القرية مليئة بالخرائب والكثير من نخيلها يابس وذاوٍ إلى ان علمت ان البلدة قد ضربها الطاعون قبل سنوات قليلة . فبناء بيوتهم لم يعد من الصلصال الذي نراه في تيماء بل جدران طينية في طبقات مع بعض نوى من الآجر الصلب المجفف في الشمس الممدود من جنب إلى جنب فيها ، التربة هنا غرانيتية ، المظهر المتقوض للمكان جعلني أفكر ببعض الواحات التي رأيتها قبل سنوات في الصحراء الجزائرية ، ماؤها الجوفي فاتر . كما في كل ريف الجزيرة العربية وذو نكهة فاسدة ، الموقع جهنمي ، وتمرهم وضيع جاف وليس لذيذ الطعم . ذهبنا باتجاه قهوة الشيخ المضيف حيث سبقنا الرفاق ، والتقينا مع الشيخ الطيب الذي جاء لملاقاتي ، قادني بمودة من يدي وأمر رجله بأن يحش سويقات أعشاب خضراء من البستان من اجل جمالنا . عند ما اجلسنا في غرفة القهوة دخل كثير من القرويين بدون اظهار تبدل في تعابير الوجوه ، قد يكون ذلك بسبب توصية مسبقة من عسكر لمعاملتي بشكل محبب وانا أرى الكل يتخذ موقفا وديا هكذا ، هنا رأيت الأول مرة سلع بغداد ، جلبت من سوق حائل : رجال موقق لم يعودوا يشعلون الغلايين بالصوان والفولاذ ، بل بولاعة zundholzer الفييناوية (من فيينا ) المنتشرة على نطاق العالم ، كنا في العالم مرة أخرى ! كانت صالة القهوة ، المبنية بطريقة بدائية ، عاتمة وأقل نظافة من أن تكون مضافة، الأرضية الترابية حيث جلسنا كانت مفروشة بنوى التمر القديمة من الخدمة المقدمة للضيوف اليوميين . كان القرويون ذوو مزاج لطيف ، وكانوا يسلون أنفسهم بالتحادث مع الغريب ، بقدر ما يمكن لكياستهم المحدودة أن تمتد ، عن البلدان والأديان القديمة ، فقط كانوا يوحون أن الوثنيين لا يزالون يقاومون الحقيقة ، وبالأخص النصارى ، الذين فيهم نبع من الفنون ، والتعلم والعلم . كانوا يوصلون إلىَّ من حين إلى آخر غليوناتهم المسالمة . فكرت في ذروة التعب بطعم تبغهم الأخضر المر ، ذي الحلاوة التي لا تضاهي ، وكان ثمة استرخاء مريح في تلك الأصوات المدنية وبعد الخباثة البرية لألسنة بعض القبائل سألني شاب ، هل يمكنني أن أقرأ ؟ هل لدي كتب ؟ كان من موقق، وأستاذهم . وضعت في يده كتاب جغرافيا باللغة العربية كتبه مبشر أمريكي مثقف من بيروت . تمعن الشاب فيه وثبت نظره فوقه في الحجرة المعتمة ، بمثل هذا التعلق الظمآن بالآداب ، كتلك التي نضجت في بلاد أكثر سعادة في حقول المعرفة الكبيرة : وهو يغلق الكتاب أخيراً ، عندما كانت الشمس تهبط نحو المغيب وضعه على رأسه كعلامة على مدى تقديره العالي له ، إنها إيماءة شرقية لم أرها مرة أخرى في الجزيرة العربية ، حيث يوجد القليل جداً من الكتب ( إن لم ينعدم تماماً ) عن الاستشراق )) سألني (( هل يمكنه أن يشتري الكتاب ؟ فلبيت طلبه هذا . دخل رجل داكن البشرة طويل القامة إلى القهوة ، ورأيت أنه غريب من الشمال ذو مشية مغرورة ، ولباس جيد جداً . حيا الجماعة ببرود ، وجلس : لقد وصل من قفار حيث كان قد انطلق هذا الصباح . وضع التمر أمامه ، وكان يتلفت حواليه عندما تذكر واحداً أو اثنين جالسين هنا كان قد التقى بهما في السنوات السابقة وهو ينهض بوقار قبلهما وسأل عن احوالهما كان شمريا من العراق تبعد ديرته البدوية بنحو 250 ميلا .