سعت الانظمة الاستبدادية إلى حرمان مواطنيها من سماع اخبار الاحتجاجات التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط وحتى تلك التي تحدث في بلدانهم. وقد حاول البعض حجب خدمات الهاتف المحمول وخدمة الإنترنت ولكن هذه الخطوة اججت نيران جديدة من الغضب والسخط. حتى بعض الحكومات، التي أطلقت العنان للنظام الأكثر تطوراً لحجب خدمات الإنترنت في العالم، لا تستطيع احتواء الكم الهائل من المعلومات والثرثرة على المواقع والشبكات الاجتماعية والمدونات التي لا تعد ولا تحصى. عندما كنت في شرق اسيا في مهمة تلفزيونية في عام 2006 كان الناس هناك يتجاوزون خلسة ما اصبح يعرف باسم "الجدار الناري". وقد حاولت باستخدام جهاز كمبيوتري المحمول في غرفة الفندق الوصول إلى مختلف المواقع المحظورة المكرسة لقضايا حقوق الانسان ولكن هيهات هيهات ولكن بعد تركيب قطعة غير مصرح بها من البرمجيات مستخدمة من قبل العديد من المواطنين للالتفاف على الحجب الحكومي تمكنت على الفور من فتح المواقع الممنوعة. ولكن هناك دولة واحدة استطاعت فعلا إبقاء الغالبية العظمى من سكانها في الظلام وهي: كوريا الشمالية التي حظرت استخدام الانترنت على المواطن العادي. الحكومة ليست هناك بحاجة لحجب المواقع التي تهددها لأن معظم الكوريين الشماليين لم يسبق لهم استخدام الحاسوب، ناهيك عن معرفة ما هي الشفرة القياسية لتبادل المعلومات. الزعيم الكوري الشمالي كيم إيل جونغ في مارس 2009، بينما كنت أعمل في إعداد تحقيق صحفي على طول الحدود بين الصين وكوريا الشمالية، أخذت أسيرة على أيدي جنود من كوريا الشمالية وتم اعتقالي في هذا البلد المعزول ما يقرب من خمسة أشهر. ورغم انني كنت محشورة في غرفة واحدة مع حارستين راحتا تحصيان علي انفاسي بالليل والنهار إلا أنني تمكنت من التعرف على آلة الدعاية في البلاد. في منطقة الحراس كان هناك جهاز تلفاز يبث أفلاماً بالابيض والأسود تصور قوات الشمال البطولية وهي تتصدى لجنود كوريين جنوبيين وأمريكيين أشرار. وكان التلفاز يبث أيضاً مسيرات الكوريين الشماليين وهم يهتفون ويرددون شعارات وطنية بينما تمر من أمامهم طوابير القوات الكورية الشمالية المنتصرة على الدوام. كانت هناك تغطية متكررة للزعيم المبجل "كيم جونغ إيل" وهو يترأس افتتاح المصانع أو المدارس. حتى يومنا هذا، بإمكاني ترديد نغمات النشيد الوطني لكوريا الشمالية لأنه في كل مساء وعند الساعة الخامسة مساء تماما عندما يبدأ التلفاز الحكومي والوحيد بثه كنت اخضع لسماع أصوات جوقة الرجال العسكرية وهي تردد كلمات النشيد الثوري الشيوعي. وفي كل ليلة أحد، يخصص جزء من الاخبار الدولية لبث اخبار وتقارير سلبية عن الولاياتالمتحدة أو الكوارث الطبيعية في بلدان أخرى. ويبدو أن إحدى مسئوليات جهاز الرقابة الحكومية هي تصوير بقية العالم بانه أسوأ حالا من كوريا الشمالية. لحسن الحظ ، سمح لي بتلقي رسائل من أفراد العائلة والأصدقاء، مما جعلني على اتصال إلى حد ما بما كان يحدث في العالم الخارجي. كان زوجي إيان يرسل لي صفحات وصوراً منسوخة من الصحف والمجلات. وفي قصاصات من مجلة الإيكونومست علمت أن مئات الآلاف من الإيرانيين خرجوا الى شوارع طهران في يونيو 2009 للاحتجاج على اعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد. على شاشة التلفاز الكوري الشمالي، كانت صورة الاحداث الجارية في ايران مختلفة تماماً. وشاهد الكوريون الشماليون فقط صوراً للايرانيين المبتهجين المحتفلين بفوز أحمدي نجاد. حاولت أن أقول لحارستي إن هناك حقيقة أخرى تختلف عما يجري عرضها على شاشة التلفاز الحكومي. ولكنها وبلغة انجليزية ركيكة، قالت انها لا تفهم ما أقول. يبدو حقا انها لا تستطيع استيعاب فكرة وجود شعب يثور ضد قيادته يطلب التغيير. على الرغم من وجود تعتيم شبه كامل على المعلومات التي تبثها الدولة على قنواتها الرسمية إلا أن نظام الرئيس كيم الشمولي يجد صعوبة في عزل الشعب الكوري الشمالي عن أحداث العالم. وتشترك كوريا الشمالية في الحدود مع اثنين من أكثر البلدان استخداماً لتقنيات الاتصالات الحديثة والانترنت في العالم والمعلومات تتسرب من كلا الجانبين. السوق السوداء موجودة في البلد ويقوم الكوريون الشماليون بشراء أقراص الفيديو الرقمية للمسرحيات الصينية والمواد الاباحية. الأخبار عن العالم الخارجي تنساب إلى كوريا الشمالية عبر شبكة سرية تتيح للناس الاتصال بأقاربهم في الصين أو كوريا الجنوبية باستخدام الهواتف المحمولة المهربة. أواخر الشهر الماضي ، بدأ الجيش الكوري الجنوبي اسقاط منشورات في كوريا الشمالية حول الاحتجاجات الديمقراطية في مصر وتعهد الناشطون بمواصلة الحملة الدعائية على الرغم من تهديدات كوريا الشمالية بالرد العسكري. لكنني اسأل نفسي عما إذا كان الشعب الكوري الشمالي يعرف ما يجب أن يقوم به بعد معرفته للاحتجاجات في العالم العربي. المجتمع الكوري الشمالي واحد من أكثر المجتمعات المعزولة على هذا الكوكب كما أن التقديس المطلق والخوف التام من كيم عميق جداً. وإن كانت هناك تقارير حديثة عن احتجاجات في المدن الصغيرة القريبة من الحدود الصينية، مع جماعات تطالب بالغذاء والكهرباء، إلا أن احتجاجات منظمة على نطاق واسع تبدو من غير المحتملة. عندما أفكر في ردة فعل مزارع كوري شمالي فقير على منشور غريب سقط عليه من بالون يحلق عالياً في السماء يخبره عن التمرد في أرض بعيدة أتذكر حارستي التي صعقت من فكرة الحرية. انه مفهوم يستحيل على غالبية الكوريين الشماليين فهمه. * لورا لينغ كانت معتقلة مع زميلتها يونا لي في كوريا الشمالية بعد أن عبرتا الحدود إلى كوريا الشمالية من جمهورية الصين الشعبية بدون تأشيرة. وقد تم العفو عنهما لاحقاً بعد تدخل الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون واجتماعه بالرئيس كيم جونغ إيل