شكل انعقاد ملتقى الإعلام والقضاء الذي عقدته وزارة العدل بالتعاون مع وزارة الإعلام واللجنة الوطنية للمحامين خطوة إيجابية إلى الأمام على طريق نشر الثقافة الحقوقية كإحدى مسؤوليات وزارة العدل التي تحددت في مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء، وقد حفلت جلسات المؤتمر على مدى يومين بعدد كبير من البحوث والكلمات التي تناولت تلك العلاقة التاريخية بين الإعلام والقضاء والتي غالباً ما توصف بأنه يشوبها كثير من الشد وقليل من التفاهم نتيجة التداخل بين مفهوم الحرية الإعلامية وبين مفهوم استقلالية القضاء ووجود إشكالية لا تقتصر على مستوى المملكة بل هي سمة في كل المجتمعات وتتمثل في تناول وسائل الإعلام لأمور القضاء وخاصة القضايا المنظورة أمام المحاكم كجزء من الرسالة الإعلامية وتلبية لحق الناس وشغفهم في الاطلاع والمعرفة، بينما الأنظمة والأعراف القضائية تنظم هذا الموضوع وتضع له ضوابط يتوجب مراعاتها. وقد ساعد التطور المتسارع في استخدام التكنولوجيا من قبل الوسائل الإعلامية المختلفة في إثارة التساؤلات المتعلقة بمدى الحرية التي يجب أن تتمتع بها تلك الوسائل في تعاطيها مع الحياة الخاصة للناس، حيث إن مسؤولية تلك المؤسسات من أخطر المسؤوليات الأخلاقية والمهنية، كما أن الخصوصية التي تتميز بها عملية التقاضي سعياً لتحقيق البيئة المهنية المناسبة لتأخذ تلك العملية مداها وتوفر ضمانات تحقيق العدالة المنشودة من الجميع تترك توجساً لدى القائمين على مرفق القضاء في حال تم تناول تلك القضايا عبر وسائل الإعلام مما قد يؤثر سلباً بصورة مباشرة وغير مباشرة على سلامة وحيادية الإجراءات القضائية وبناء على ذلك فإن تلك الخصوصية حتماً ستصبح ملكاً للجميع وصالحة للنشر والمناقشة المسؤولة عبر وسائل الإعلام في حال أصبحت الوقائع القضائية تملك أحكاماً باتة ونهائية مما يزيل عندها ذلك التوجس وتلك الخشية من تناول وسائل الإعلام لتلك الأحكام القضائية، وفي هذا السياق أكد معالي وزير العدل في كلمته أمام الملتقى أن العلاقة بين الإعلام والقضاء يجب أن تراعي الحرية المنضبطة والمسؤولة للإعلام واستقلال القضاء وحرمة الحياة الخاصة للمتقاضين. وفي نفس الوقت فإن الحرية الإعلامية لا تعني التعدي على حقوق الناس وخصوصياتهم تحت مسمى (حرية الإعلام)، كما أنه من الخطورة أن يتم تناول الأحكام القضائية والتعليق عليها ومناقشتها من خلال الإعلام غير المتخصص لان الفائدة المرجوة من ذلك حتماً ستنقلب إلى تشويه للحقائق وإثارة الناس ودفعهم نحو عدم الثقة بالقضاء، حيث إن الإعلام مطالب بأن يلعب دوراً تنويرياً وتثقيفياً في المجتمع وخلق البيئة الايجابية لتأخذ جميع السلطات والجهات الأخرى دورها على أكمل وجه في المجتمع. إن تميز الإعلام بالموضوعية والمصداقية في تناوله لأية قضية يعزز من مسؤوليته ويجعل دوره بناء على المستوى الوطني ومساهماً في عملية التنمية بكافة مستوياتها ونواحيها وخاصة انه كسلطة مجتمعية لها دور رقابي كبير ومسؤول يبين أوجه القصور ويبرز الايجابيات في أداء مختلف الأجهزة الحكومية ومنها القضاء بشرط مراعاة الضوابط القانونية في هذا الشأن، حيث يبرز الدور التكاملي لسلطة الإعلام المجتمعية مع بقية السلطات والجهات ومن هذا المنطلق فإن الإسراع في بلورة رؤية حول وجود إعلام قضائي متخصص يعتبر حاجة وضرورة بنفس الوقت بحيث تكون الرسالة الإعلامية التي يضطلع بها تحت إشراف وزارة العدل و بعيداًعن الخروج على القوانين والضوابط ذات الصلة. وأخيراً فإن انعقاد هذا الملتقى الذي نتمنى أن يكون سنوياً يسجل كمساهمة ايجابية من وزارة العدل في تجسير العلاقة بين الإعلام والقضاء وخلق أفاقاً مستقبلية أرحب وأوسع للتعاون وعزز مجموعة من المفاهيم المشتركة التي تجمع الإعلاميين والقضاة والمحامين وكرس حتمية التكامل بين أدوارهم جميعاً سعياً للمساهمة في عملية بناء الوطن وحفظ حقوق المواطن وضمان تحقيق العدالة للجميع .