العديد من التساؤلات يتداولها المجتمع بشكل مستمر حول حجم التحويلات النقدية للعمالة الوافدة شهرياً، وتفويتها نسبة كبيرة من الدخل الوطني، حيث أنّ أكثر من 90% من هذه العمالة لا يكاد يصرف من دخله قرشاً واحداً داخل البلد، وهذه ليست القضية، ولكن القضية عندما تجد أنّ تحويلات العمالة الشهرية تفوق أجورهم الشهرية أضعافاً كبيرة، وهذا يضع أكثر من علامة استفهام حول كيفية زيادة مايحوله العامل شهرياً إلى بلاده عن أجره الشهري المستحق حسب مهنته التي يعمل بها، وهنا نتوقف أمام سؤال كبير من أين لهم هذا؟. ضبط التحويلات ليست هناك قيود على تحويلات العمالة من خلال البنوك التي خصصت أقساماً خاصة لهذه التحويلات؛ بسبب الأعداد الكبيرة من هذه العمالة، حيث وضعت البنوك تنظيمات خاصة بالتحويلات النقدية للمواطنين والمقيمين، ومنها اشتراط فتح حساب للمحول؛ ليتم من خلاله التحويل وأن يكون المحول إذا كان من المقيمين يحمل إقامة نظامية وسارية المفعول، وهذه الاشتراطات اتخذت حتى تمنع تحويل العمالة التي لا تحمل إقامة نظامية، ولكنها لا تركز على حجم المبالغ التي يحولها العامل، وهذا يعطي الفرصة للعامل تحويل مبالغ أكبر من أجره، حيث من المفترض وضع إجراءات لضبطها ومعرفة مصادرها، وكيفية حصول العامل عليها؛ لأنه ربما جمعها عن طريق المتاجرة في ممنوعات أو السرقة، أو كونه متواطئ مع عمالة مخالفة لنظام الإقامة، ويستغل المحوِّل نظامية إقامته في تحويل الأموال التي يجمعها أولئك العمالة مقابل نسبة متفق عليها بينهم أو تشغيل المقيم للعمالة وتحويل أجورها إلى بلدانهم. «المواطن السلبي» يستاهل «من يضحك عليه» لأنه باع اسمه للأجنبي ورضى ب «مقسوم آخر الشهر» مؤسسات الصرافة والتحويلات عن طريق البنوك إلى حد كبير لا تسمح بحدوث أي تجاوزات في التحويلات، ولكن هناك جهات أخرى تقوم بالتحويل لهذه العمالة وهي بعض مؤسسات الصرافة، وهذه المؤسسات من المفترض ألا يسمح لها بالتحويلات النقدية، وتتفرغ فقط للصرافة وتغير العملات وبيعها وشرائها، وعدم قيامها بأعمال تتجاوز حدود صلاحياتها، وما سمح لها نظاما بالعمل به. برواز الترخيص والمشاهد أنّ الكثير من البقالات والبوفيهات والورش ومحلات السباكة والكهرباء، وبيع الملابس ومحلات قطع الغيار وزينة السيارات وغيرها التي يديرها في أسواقنا الوافدين؛ معظمها في واقع الأمر تعود ملكيتها لهم حتى وإن علق داخل تلك المحلات برواز يحمل صاحب الترخيص السعودي؛ لأنّ الواقع أنّ هؤلاء السعوديون "ليس لهم من الجمل إلا أذنه"، وبقية الجمل يأكله هؤلاء العمالة ويحولونه إلى بلادهم، ومعظم هؤلاء الوافدين جاؤوا بتأشيرات عمال، ولكنهم تحولوا إلى "البزنس" وأصبحوا عندنا تجاراً، وهذا يجعل تحويلات هؤلاء العمالة تزيد كثيراً عن التوقعات، ويمكن الوصول لهذه الحقيقة من خلال زيارة تفتيشية دقيقة لورش ومحلات بيع قطع الغيار في منطقة الورش الصناعية في جدة على سبيل المثال، أو سوق البوادي لبيع الملابس لنكتشف ضرر التأشيرات الوهمية؛ التي أعطيت لبعض تجار التأشيرات في غفلة من الرقيب! الراتب المعلن والمطلع أنّ هناك مرتبات كبيرة تعطى لبعض الوافدين رغم خبراتهم وشهاداتهم العلمية المتواضعة، وهي مرتبات لا يحظى بها السعودي؛ الذي يعمل في تلك القطاعات رغم جدارته وتفوقه العلمي، وهذا لأنّ قطاعنا الخاص في الكثير من شركاته ومؤسساته؛ يفضل الوافدين ويرحب بهم على حساب ابن الوطن، وبعض هذه المؤسسات والشركات تعطي مكاتب العمل والجهات المعنية الأخرى بيانات غير حقيقية عن مرتبات هؤلاء العمالة أقل من الواقع بكثير، ولهذا فإنّ تحويلاتهم تأتي كبيرة حسب رواتبهم الحقيقية التي يتقاضونها من تلك الشركات. نظام رقابي دقيق والجميع لا يعترض على تحويل أي عامل وافد راتبه إلى أهله وأسرته في بلده، ولكن الاعتراض وصول هذه التحويلات إلى أرقام فلكية؛ تمتص جزءاً كبيراً من دخل البلد وبشكل يفوق كثيراً أجور هذه العمالة ودخلها الشهري، حيث وصل في العام الماضي 2010م أكثر من (90) مليار، وهو يصل إلى حوالي ربع ميزانية الدولة في ذلك العام، وهذا ترك علامة استفهام كبيرة حول هذه الزيادات في هذه التحويلات، وتطلب بحثاً لمعرفة مصادرها، وهل هي مكتسبة بشكل نظامي أم أنها تأتي بطرق غير نظامية، وربما أيضاً غير مشروعة كالمتاجرة في بيع الممنوعات أو السرقات، أو أنّ هؤلاء العمالة يعملون في مجالات تختلف عن مسميات المهن التي يحملونها في بطاقات إقاماتهم، وهذا الأمر لا يمكن ضبطه إلا عن طريق وضع نظام رقابي دقيق مرتبط بالجهات المعنية، وهي الجوازات ومكاتب العمل ومؤسسة النقد، ومكان عمل العامل، ويتم من خلاله تحديد مرتب العامل وبدلاته التي يتقاضاها من عمله؛ حتى يكون هناك معرفة يتم على ضوئها رصد هذه التحويلات، ومعرفة أي زيادة مبالغ فيها قد تحدث ومعرفة مصدرها وقانونيتها